Ta'ammulai
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Nau'ikan
ليس من الغالين في سبيل الاقتصاد من يقرن الكفاءة الاقتصادية بغيرها من الكفاءات الأخرى في العناية والرعاية ويجعل العمل لها لازما لتربية الأمة بل هو ألزم من العناية بالكفاءات الأخرى؛ لأننا يجب أن نعيش قبل أن نكون علماء أو فنيين يجب أن نعيش قبل كل شيء، ولقد نرى بالمثل أن العلم يخدم الاقتصاد والفن يخدم الاقتصاد والسياسة لا تستعمل حيلة ولا تثير حربا إلا لتخدم الاقتصاد.
فعلى أي وجه نظرنا إلى الحركة الاقتصادية في البلاد نجد أن العناية بنظامها في عمومها والإرشاد إلى إنمائها في كل أجزائها ومظاهرها الجزئية، هي من أول الواجبات على كل جمعية تغذي نفسها بآمال الرقي وعزة الاستقلال.
على الحكومة أن تضع قواعد النظام الاقتصادي، وعلى الأفراد الانتفاع بهذا النظام كل لمنفعته، ولقد يظهر على الحكومة أنها استعملت طرقا وقامت بمشروعات من شأنها تنظيم الحال الاقتصادية في مصر، ولكن الطرق التي استعملتها والمشروعات التي شرعتها من بضعة عشر عاما إلى الآن، لم تأت بفائدة أو على الأقل لم تأت بالفائدة المقصودة منها، فإن البنك الأهلي والبنك الزراعي لم يأتيا بالنتائج التي يأتي بها أمثالها في البلاد الأخرى، والسبب في ذلك راجع إلى أن هذين البنكين أجنبيان في الحقيقة لا مميز بينهما وبين غيرهما إلا أنهما ممتازان عند الحكومة، ولم نجد من كليهما أو من أحدهما خدمة أداها للبلاد أكثر من الخدمات التي يؤديها أي بنك من البنوك الأخرى، كذلك قانون خمسة الأفدنة، لم يأت بالفائدة المنتظرة، بل ربما يستمر على الإتيان بنتيجة عكسية حتى يتم إنشاء النقابات الزراعية التي كان يجب إنشاؤها قبل قانون خمسة الأفدنة بزمن كاف، كذلك إنشاء صندوق التوفير والحلقات؛
2
لأنها كلها كأنها وضعت لمعالجة الأعراض دون الداء الأصلي، ولا نجد من بين أعمال الحكومات عملا يفيد حقيقة في الحال الاقتصادية إلا أعمال الري والصرف، ولكن ذلك يستحيل أن يعد تنظيما لحالنا الاقتصادية.
نقول: إن مداخلة الحكومة في تنظيم الحال الاقتصادية قد لا يتفق تماما مع مذهب الحرية، ولكننا نبهنا إلى ذلك بأنه من غير الممكن أو على الأقل من الصعب أن ينفذ مذهب من مذاهب الحكم برمته من غير استثناء، على أنه في بلادنا التي هي حديثة العهد بالنهضة الجديدة يجب أن تأخذ الحكومة على عاتقها تشجيع الحال الاقتصادية، وإنماء الكفاءة الاقتصادية بحال تتفق في مظاهرها مع روح الحرية، وهذا ميسور مجرب في كثير من البلاد.
ولا شك عندنا في أن الحكومة إذا أرادت معالجة الحال الاقتصادية من أصولها، عمدت إلى تشجيع إنشاء بنك مصر والنقابات الزراعية، وذلك هو الحجر الأول في النظام الاقتصادي المطلوب.
النظام الاقتصادي1
الفلاح في ضيق شديد وحاجة مستمرة للاقتراض، والوسطاء والبنوك الصغرى وبقية الشركات ذوات رؤوس الأموال الوهمية تلعب في السوق بثقة البنوك الكبرى وبأموال الناس.
والبنوك الكبرى تقبض يدها خشية أن تقع فيما وقعت فيه من الخسائر التي جرتها عليها حوادث الإفلاس المتتالية، فاتسع المجال لصغار المرابين في القرى.
Shafi da ba'a sani ba