وكأنما فوجئ بقولها، بيد أنه قال بهدوء: تتوسلين إلى الله أن يصبر قلبك. - الله هنا معنا في البيت .. - طبعا، أقصد أن تتركي هذه العزلة يا عائشة، زوري أختك، زوري الجيران، روحي عن نفسك .. - لا أستطيع أن أرى السكرية، ولا معارف لي، لم يعد لي معارف، لا أطيق زيارة أحد ..
قال الرجل وهو يولي عنها رأسه: أحب أن تتصبري، وأن تهتمي بصحتك .. - صحتي! ..
قالتها فيما يشبه العجب. فقال بتوكيد: نعم، ما فائدة الحزن يا عائشة؟ ..
فقالت وكانت رغم حالها تحافظ على الأدب الذي تعودت أن تلتزمه حياله: وما فائدة الحياة يا بابا؟ .. - لا تقولي هذا، إن أجرك عند الله عظيم! ..
فحنت رأسها لتخفي عينيها الدامعتين، وقالت: أود أن أذهب عنده لأنال هذا الأجر، ليس هنا يا بابا!
ثم انسحبت برقة، وقبل أن تغادر الحجرة توقفت قليلا كأنما تذكرت أمرا، فسألته: كيف صحتك اليوم؟
فابتسم قائلا: الحمد لله، المهم صحتك أنت يا عائشة ..
وغادرت الحجرة، من أين تأتيه الراحة في هذا البيت؟ وراح يردد بصره في الطريق حتى ثبت على أمينة وهي راجعة من جولتها اليومية. كانت ترتدي معطفا، وعلى وجهها بيشة، وتنقل خطاها في بطء. شد ما ركبها الكبر! كان يحسن الظن بصحتها متذكرا أمها المعمرة، ولكن ها هي تبدو أكبر من سنها - اثنين وستين عاما - بعشرة أعوام على الأقل، ومر وقت غير قصير قبل أن تدخل عليه وهي تتساءل: كيف حال سيدي؟ ..
فقال بصوت مرتفع نفخ فيه نبرات الحدة المطلوبة: كيف حالك أنت! ما شاء الله! من طلعة الصبح يا ولية؟!
فابتسمت قائلة: زرت سيدتك، وزرت سيدك، ودعوت لك وللجميع ..
Shafi da ba'a sani ba