وانتفض الجميع، وسارع المفتش الذي كان يغمزه أحد الفلاحين في يده بعد فوات الوقت. - لا مؤاخذة يا سعادة البك اللي ما يعرفك يجهلك. - لا مؤاخذة ولا يحزنون هيه كيف الحال؟
وجلس وطلب دفاتر الحسابات، واستأذن المفتش لحظة، ونادى أحد الفلاحين وانتحى به ناحية. - اذهب إلى البيت واطلب إليهم أن يذبحوا أوزة ويجهزوا الغداء. - إنه لا يستحق. - يا جدع اخرس إنه صاحب التفتيش. - خسارة فيه. - اجر ولا تتلكع.
ويذهب الرسول إلى البيت ويعود المفتش إلى مجلسه مع عبد القادر ويبدأ عبد القادر في مراجعة الحسابات، وينتهي النقاش بأن يطلب منه المفتش مائة وخمسين جنيها قيمة إصلاحات لأدوات زراعية، واستهول المبلغ. - ولكن الزراعة محتاجة لهذه الأدوات.
فظل يناقشهم ويعنف بهم في النقاش حتى نزل بالمبلغ إلى ثلاثين جنيها.
وحينئذ كان الغداء قد أعد، ووجد عبد القادر نفسه أمام وليمة هائلة، وقد كان أكولا مع أن فلسفته لا تتفق مع هذه الصفة فيه؛ فقد قال يوما لأحد الكبراء: يا باشا يقولون عني بخيل.
فقال الباشا: والله يا شيخ عبد القادر نعم يقولون هذا. - هذا غير صحيح. - أتظن ذلك؟ - البخيل هو الذي تشتهي نفسه الشيء ولا يشتريه أما أنا فنفسي لا تشتهي شيئا، وقد كانت هذه الفلسفة جديرة أن تجعله غير أكول ولكنه - والشهادة لله - في الولائم ذو فن عريض فهو عليم بالمأكولات يحسن تذوقها، ويتناول منها مقادير لا يمكن أن تتناسب مع جسمه الضئيل الهزيل.
فحين وجد نفسه أمام هذه الوليمة التي أعدها له المفتش هش وسجحت نفسه، وهم أن يمد يده ولكنه فجأة تذكر أشياء على جانب كبير من الأهمية؛ إنه في تفتيشه ولعل هذه الوليمة تظهر له في المرة القادمة بدفاتر الحسابات ، وثنى يده الممدودة ونظر إلى المفتش: العزومة دي على حسابي أم على حسابكم؟
والواقع أن المفتش كان قد أعد الوليمة على حسابه الخاص ولم يفكر مطلقا أن يحاسب الشيخ عبد القادر عليها، ولكنه أمام هذه السؤال تملكه غيظ شديد فنظر إليه في ضيق وضجر وقال: على حسابك. - ومن قال لكم إن معدتي تحتمل هذا الأكل؟ - والله لا نعرف طبعك. - لا، أنا لا آكل إلا اللبن الرائب. - أمرك.
وأحضروا له اللبن الرائب وراحوا هم يأكلون الوليمة في نهم مغيظ، وحين انتهى الغداء هم الشيخ عبد القادر بالقيام. - ألحق القطار. - أمرك ولكنك لم تدفع الثلاثين جنيها. - آه نسيت خذ.
وأخرج من جيبه عشرة تناولها المفتش صامتا معتقدا أنه سيرسل له باقي المبلغ، وأمر بتجهيز العربة واستقلها الشيخ عبد القادر وركب معه المفتش، وفي منتصف الطريق فاجأه الشيخ عبد القادر بأن أخرج من جيبه عشرة جنيهات أخرى وأعطاها له، فقال في نفسه لعله كان ناسيا أن معه عشرة أخرى، وحين وصلوا إلى المحطة فاجأه بأن أعطاه العشرة الثالثة وهو يقول: صعب أن أخرج ثلاثين جنيها دفعة واحدة.
Shafi da ba'a sani ba