والشعر قد يقال للتعجيب وحده، وقد يقال للأغراض المدنية. وعلى ذلك كانت الأشعار اليونانية. والأغراض المدنية هى فى أحد أجناس الأمور الثلاثة، أعنى: المشورية والمشاجرية والمنافرية. وتشترك الخطابة والشعر فى ذلك، لكن الخطابة تستعمل التصديق، والشعر يستعمل التخييل. والتصديقات المظنونة محصورة متناهية يمكن أن توضع أنواعا ومواضع. وأما التخييلات والمحاكيات فلا تحصر ولا تحد. وكيف، والمحصور هو المشهور أو القريب! والقريب والمشهور غير كل ذلك المستحسن فى الشعر، بل المستحسن فيه المخترع المبتدع.
والأمور التى تجعل القول مخيلا: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه، وهو الوزن؛ ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول؛ ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول؛ ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم. — وكل واحد من المعجب بالمسموع أو المفهوم على وجهين: لأنه إما أن يكون من غير حيلة بل يكون نفس اللفظ فصيحا من غير صنعة فيه، أو يكون نفس المعنى غريبا من غير صنعة إلا غرابة المحاكاة والتخييل الذى فيه. وإما أن يكون التعجب منه صادرا عن حيلة فى اللفظ أو المعنى: إما بحسب البساطة أو بحسب التركيب. والحيلة التركيبية فى اللفظ مثل التسجيع ومشاكلة الوزن والترصيع والقلب وأشياء قيلت فى «الخطابة». وكل حيلة فإنما تحدث بنسبة ما بين الأجزاء: إما بمشاكلة، وإما بمخالفة. والمشاكلة إما تامة، وإما ناقصة؛ وكذلك المخالفة: إما تامة، وإما ناقصة. وجميع ذلك إما بحسب اللفظ، وإما بحسب المعنى. والذى بحسب اللفظ: فاما فى الألفاظ الناقصة الدلالات، أو العديمة الدلالات كالأدوات والروف التى هى مقاطع القول؛ وإما فى الألفاظ الدالة البسيطة؛ وإما فى الألفاظ المركبة. والذى بحسب المعنى. فاما أن يكون بحسب بسائط المعانى، وإما أن يكون بحسب مركبات المعانى.
ولنبدأ من القسم الأول، فنقول : إن من الصيغات التى بحسب القسم الأول تشابه أواخر المقاطع وأوائلها. والنظام المسمى المرصع كقوله:
فلا حسمت من بعد فقدانه الظبى
ولا كلمت من بعد هجرانه السمر
Shafi 163