لنقل فى سبب رؤية الشىء الواحد كشيئين فإنه موضع نظر، وذلك لأنه أحد ما يتعلق به أصحاب الشعاعات أيضا، ويقولون إنه إذا كان الإبصار بشىء خارج من البصر يلقى المبصر ثم يتفق أن ينكسر وضعه عند البصر وجب أن يرى الشىء الواحد لا محالة كشيئين متباينين فيرى إثنين، وليسوا يعلمون أن هذا يلزمهم الشناعة بالحقيقة، وذلك لأن الإبصار إن كان بمماسة أطراف الشعاعات وقد اجتمعت عليه فيجب أن يرى على كل حال واحدا، ولا يضر فى ذلك انكسار أطراف الشعاعات المنكسرة، بل الحق هو أن شبح المبصر يتأدى بتوسط الشفاف إلى العضو القابل المهيا له الأملس النير من غير أن يقبله جوهر الشفاف أصلا من حيث هو تلك الصورة بل يقع بحسب المقابلة لا فى زمان وأن شبح المبصر أول ما ينطبع إنما ينطبع فى الرطوبة الجليدية وأن الإبصار بالحقيقة لا يكون عندها وإلا لكان الشىء الواحد يرى شيئين، لأن له فى الجليديتين شبحين، كما إذا لمس باليدين كان لمسين، لكن هذا الشبح يتأدى فى العصبتين المجوفتين إلى ملتقاهما على هيئة الصليب، وهما عصبتان نبين لك حالهما حين نتكلم فى التشريح، وكما أن الصورة الخارجة يمتد منها فى الوهم مخروط يستدق إلى أن يوقع زاويته وراء سطح الجليدية كذلك الشبح الذى فى الجليدية يتأدى بواسطة الروح المؤدية التى فى العصبتين إلى ملتقاهما على هيئة مخروط، فيلتقى المخروطان ويتقاطعان هناك، فيتحد منهما صورة شبحية واحدة عند الجزء من الروح الحامل لقوة الباصرة، ثم إن ما وراء ذلك روحا مؤدية للمبصر لا مدركة مرة أخرى وإلا لافترق الإدراك مرة أخرى لافتراق العصبتين، وهذه المؤدية هى من جوهر المبصر، وتنفذ إلى الروح المصبوبة فى الفضاء المقدم من الدماغ، فتنطبع الصورة المبصرة مرة أخرى فى تلك الروح الحاملة لقوة الحس المشترك، فيقبل الحس المشترك تلك الصورة وهو كمال الإبصار، والقوة المبصرة غير الحس المشترك وإن كانت فائضة منه وهو مدبر لها لأن القوة الباصرة تبصر ولا تسمع ولا تشم ولا تلمس ولا تذوق، والقوة الحاسة المشتركة تبصر وتسمع وتشم وتلمس وتذوق على ما ستعلم، ثم إن القوة التى هى الحاس المشترك تؤدى الصورة إلى جزء من الروح يتصل بجزء من الروح الحامل لها، فتنطبع فيه تلك الصورة ويخزنها هناك عند القوة المصورة وهى الخيالية كما ستعلمها، فتقبل تلك الصورة وتحفظها، فإن الحس المشترك قابل للصورة لا حافظ، والقوة الخيالية حافظة لما قبلت تلك، والسبب فى ذلك أن الروح التى فيها الحس المشترك إنما تثبت فيها الصورة المأخوذة من خارج منطبعة ما دامت النسبة المذكورة بينها وبين المبصر محفوظة أو قريبة العهد، فإذا غاب المبصر انمحت الصورة عنها ولم تثبت زمانا يعتد به، وأما الروح التى فيها الخيال فإن الصور تثبت فيها ولو بعد حين كثير على ما سيتضح لك عن قريب، والصورة إذا كانت فى الحس المشترك كانت محسوسة بالحقيقة فيه حتى إذا انطبع فيه صورة كاذبة فى الوجود أحسها كما يعرض للممرورين، وإذا كانت فى الخيال كانت متخيلة لا محسوسة،
Shafi 153