فصل في تقديم الصورة على المادة في مرتبة الوجود.
فقد صح أن المادة الجسمانية إنما تقوم بالفعل عند وجود الصورة، وأيضا فإن الصورة المادية ليست توجد مفارقة للمادة. فلا يخلو إما أن تكون بينهما علاقة المضاف فلا تعقل ماهية كل واحد منهما إلا مقولة بالقياس إلى الآخر. وليس كذلك، فإنا نعقل كثيرأ من الصورة الجسمانية، ونحتاج إلى تكلف شديد حتى نثبت أن لها مادة، وكذلك هذه المادة نعقلها الجوهر المستعد، ولا نعلم من ذلك أن ما تستعد له يجب أن يكون فيه منه شيء بالفعل إلا يبحث وينظر . نعم هي من حيث هي مستعدة مضافة إلى مستعد له وبينهما علاقة الإضافة، لكن كلامنا في مقايسة ما بين ذاتيهما دون ما يعرض لهما من إضافة أو يلزمهما، وقد عرفت كيف هذا. وأيضا فإن كلامنا في الحال بين المادة وبين الصورة من حيث هي موجودة. والإستعداد لا يوجب علاقة مع شيء هو موجود لا محالة، وإن كان يجوز ذلك فلا يخلو إما أن تكون العلاقة بينهما علاقة ما بين العلة والمعلول، وإما أن تكون العلاقة بينهما علاقة أمرين متكافئي الوجود ليس أحدهما علة ولا معلولا للآخر، ولكن لا يوجد أحدهما إلا والآخر يوجد. وكل شيئين ليس أحدهما علة للآخر ولا معلولا له ثم بينهما هذه العلاقة فلا يجوز أن يكون رفع أحدهما علة لرفع علة الآخر من حيث هو ذات، بل يكون أمرا معه، أعني يكون رفعا لا يخلو عن أن يكون مع رفع، لا رفعا موجب رفع، إن كان ولا بد. وقد عرفت الفرق بين الوجهين، فقد عرفت أن الشيء الذي رفعه علتة لرفع شيء آخر فهو علته، فقد بان هذا لك قبل في مواضع على التفصيل وسيزداد إيضاحا في خلل ما نفهمه. وأما الآن فقد علمت، ههنا، أنه فرق بين أن يقال في الشيء: إن رفعه علة لرفع شيء؛ وبين أن يقال: لا بد من أن يكون مع رفعه رفع شيء. فإن كان ليس رفع أحد هذين الشيئين المذكورين علة لرفع الآخر، بل لا بد من أن يكون مع رفعه إرتفاع الآخر، فلا يخلو إما أن يكون رفع المرفوع منهما يوجب رفع شيء ثالث غيرهما، أو يجب عن رفع شيء ثالث، حتى أنه لولا رفع عرض لذلك الثالث لم يمكن رفع هذا، أو لا يكون شيء من ذلك. فإن لم يمكن، بل كان ليس يرتفع هذا إلا مع ذلك، وذلك إلا مع هذا من غير سبب ثالث غير طبيعتهما، فطبيعة كل واحد منهما متعلقة في الوجود، بالفعل، بالآخر. فإما أن يكون ذلك لماهيتهما فتكون مضافة، وقد بان أنها ليست مضافة؛ وإما أن يكون في وجودهما. وبين أن مثل هذا لا يكون واجب الوجود فيكون في ماهيته ممكن الوجود، لكنه يصير بغيره واجب الوجود
Shafi 42