فلا يجوز البتة أن يصير واجب الوجود بذلك الآخر؛ فقد بينا هذا. فيجب أن يصير واجب الوجود هو وصاحبه معه في آخر الأمر، إذا ارتقينا إلى العلل بشيء ثالث، ويكون ذلك الشيء الثالث، من حيث هو علة بالفعل لوجوب أحدهما، لا يصح رفع أحدهما إلا برفع كونه علة بالفعل. فيكون هذان إنما يرتفعان برفع سبب ثالث، وقد قلنا ليس كذلك، هذا خلف. فقد بطل هذا، وبقي الحق أحد القسمين الآخرين. فإن كان رفعهما بسبب رفع شيء ثالث حتى يكونا هما معلولاه، فلننظر كيف يمكن أن تكون ذات كل واحد منهما تتعلق بمقارنة ذات الآخر. فإنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد منهما يجب وجوده من العلة بواسطة صاحبه، فيكون كل واحد منهما هو العلة القريبة لوجوب وجود صاحبه، وهذا محال، فقد بان أن هذا مستحيل فيما سلف من أقاويلنا؛ وإما أن يكون أحدهما بعينه أقرب إلى هذا الثالث، فيصير هو العلة الواسطة، والثاني هو المعلول، ويكون الحق هو القسم الذي قلنا: إن العلاقة بينهما علاقة يكون بها أحدهما علة الآخر والآخر معلولا. فأما إن كان رفع أحدهما يوجب رفع ثالث يجب عن رفعه رفع الثاني منهما، فقد صار أحدهما علة العلة، وعلة العلة علة. والأمر يتقرر في آخره على أن يكون أحدهما معلولا والآخر علة. فلننظر الآن أيهما ينبغي أن تكون العلة منهما. فأما المادة فلا يجوز أن تكون هي العلة لوجود الصورة، أما أولا: فلأن المادة إنما هي مادة، لأن لها قوة القبول والاستعداد، والمستعد بما هو مستعد لا يكون سببا لوجود ما هو مستعد له، ولو كان سببا لوجب أن يوجد ذلك دائما له من غير استعداد. وأما ثانيا: فإنه من المستحيل أن تكون ذات الشيء سببا لشيء بالفعل وهو بعد بالقوة؛ بل يجب أن تكون ذاته قد صارت بالفعل، ثم صار سببا لشيء آخر، سواء كان هذا التقدم بالزمان أو بالذات، أعني ولو لم يكن البتة موجودا إلا وهو سبب للثاني، وإلا أن يقوم به الثاني بالذات، ولذلك يكون متقدما بالذات. وسواء كان ما هو سبب له يقارن ذاته أو يكون مفارقا ذاته، فإنه يجوز أن يكون بعض أسباب وجود الشيء إنما يكون عنه وجود شيء يكون مقارنا لذاته، وبعض أسباب وجود الشيء إنما يكون عنه وجود شيء مباين لذاته، فإن العقل ليس ينقبض عن تجويز هذا. ثم البحث يوجب وجود القسمين جميعا، فإن كانت المادة سببا للصورة فيجب أن تكون لها ذات بالفعل أقدم من الصورة، وقد منعنا هذا منعا ليس بناؤه على أن ذاته لا يمكن أن يوجد إلا ملتزما لمقارنة الصورة؛ بل على أن ذاته يستحيل وجودها أن يكون بالفعل إلا بالصورة؛ وبين الأمرين فرق. وأما ثالثا فإنه إذا كانت المادة هي العلة القريبة للصورة، والمادة لا اختلاف لها في ذاتها، وما يلزم عن
Shafi 43