Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Nau'ikan
إن الأسد إذا أقعده الهرم ناشته الذئاب كإحدى الرمم، وإن الباز إذا خفضت رأسه الدهور توثب على منسره العصفور، وهكذا الأمة لا تغني عنها الفضائل جمة، إذا هي لم تجعل الشجاعة رأسها، ولم تستحضر في الحرب والسلم قوتها وبأسها. نشأ أبوك الملك يا مولاي ونشأنا معه، نحن رفاق صباه، في التخشن والتقشف، وأنواع الرياضة البدنية، من صيد ومطاردة، وقتال صوري، ولم يكن جدك الملك سيتي يقدمه على أحدنا في المعاملة، أو يفرق بين أحد منا في المجاملة، بالرغم من مختلف الأنساب، ومتفاوت الأحساب؛ فلم يبلغ الواحد منا الخامسة عشرة من عمره، إلا وهو كالشبل النوبي لا يقر له قرار في الفيافي والقفار، وقد أوتي والدك الملك وهو يحبو إلى العشرين، فاحتكم بكف كمخلب الأسد، وقلب كقلبه أو أشد، وكنا نحن المرشحين لمشاركته في سياسة الأمور، وأعوانه الطبيعين على مداورة الشئون؛ فوجد عندنا سواعد قوية الباس، وعزائم شديدة المراس، وعقولا صحيحة سليمة في جسوم قوية قويمة؛ ولا أكتمك يا مولاي أني كنت كثير الشكوى مثلك، أضيق ذرعا بتلك النقل، وأتعب بتلك المشاق، وأشتهي جلسة على شاطئ النيل في ساعة الغروب لكي آخذ من محاسن الأكوان وأسرارها، وأشهد معترك ظلماتها وأنوارها، وأنظر إلى الماء إذا قعد، وإلى النبات إذا سجد، وإلى الطير إذا هجد؛ وأسمع ذلك الخرير، تتاليه بأصواتها النواعير، وقد انفتح للكائنات هيكل من خاطري فجمعها، فهي تمجد الآلهة فيه وأنا أمجدهم معها، إلا أن والدتي كانت تقص علي قصص الوحوش من الشعوب الذين أغاروا على مصر في الزمن الأول، وتمثلهم لي في أفظع الصور، وتصفهم بأقبح الأوصاف، فبينما هم الذئاب العارية، إذا هم الأسود الضارية، إذا هم الشياطين العاصية، فروا من الحامية، وردوا إلى الدنيا ثانية؛ وكانت تقول إنهم لا يفرون إلا من السلاح، ولا يعصم منهم إلا السواعد العبلة الصحاح، فكنت إذا سمعت ذلك منها قصرت الشكوى، وصبرت على البلوى، حتى تمت لجسمي التربية، فانقطعت لتهذيب نفسي.
قال الأمير: ومن لي أيها الأستاذ بأم كالتي ذكرت؟ إن والدتي أول العاذلات لي على ما أنا فيه من إجهاد نفسي، وإتعاب جسمي، وهي تزعم أنه ما دام الملك من بعد أبي سيصير لأخي الأكبر، فلا حاجة بي إلى مثل هذا الكد والكدح.
قال: ويح الأمهات! طالما جنين فمهدت الرحمة عذرهن. أنت يا مولاي إن لم تكن وارث الملك فإنك وارث الملك، وهو على فضائل لا بد لك أن تكون عليها؛ لأن المسئولية في هذا العالم بقدر منزلة الإنسان فيه، ومن أرفع منزلة من ابن رمسيس؟! على أن محبة أخيك لك، وثقته فيك يوم ينتقل إليه الملك، تكونان بقدر قسطك من المزايا، ونصيبك من الفضائل، فإن كانا موفورين وكان أخوك برا بك مقبلا عليك، كنت ساعده في الملك، ومساعده في الحكم، فإن فاتك منه هذا لم يفتك إجماع الناس على تعظيم نسبك، وتكريم حسبك.
قال: أتظن أيها الأستاذ أن يخرج منا معشر أبناء رمسيس ونحن خمسون أو نزيد، من يشبه أباه، ويخطو في سبل الفخار خطاه؟
قال: مثل هذا السؤال يا مولاي يلقيه أبناء الملوك ولا يبالون، لكن الحرج كل الحرج على من يسألون.
قال: نحن الآن صديقان نتحادث ولا نختلف.
قال: إنني أرجو أن تكونوا من بعده كماء الورد بعد الورد، يحفظ منه شيئا، ومعذور أن تفوته أشياء، إن السعادة يا مولاي لم تكمل لملك كما كملت لأبيك في حياته، فهل نكلفها أن تبقى عليه بعد مماته؟ ولئن صح ما اعتقد من أن الإنسان قد يحيا في نسله، وينبعث في فرعه كما يبعث من أصله، فربما حيي لدى أحدكم ما يموت من فضله، لكن من لكم يومئذ بالملك الجسيم يظهر ذلك الفضل للعباد، وبالحظ العظيم ينشره في البلاد؟
قال: صدقت أيها الأستاذ، فهل تدلني على ركن من السعادة ألوذ إليه فأسلو ما لا يدرك من محاكاة أبي في بلوغ السعادة الكاملة؟
قال: عليك بالشهرة يا بني، فإنها محسودة الملوك والأمراء، وأفضل ما تنال بالعلم، وأثبت ما تكون به، فاطلبه وجالس أصحابه، واجهد وسعك أن يقال عنك ابن نفسه ثم ابن رمسيس؛ فهذه هي اللذة الحقيقية، والسعادة التي لا يعدلها في هذا العالم إلا الصحة، أبقتها الآلهة عليك.
قال الهدهد: وبينما أنا أنتظر أن يدعو الأمير إلى الدرس ويأخذ في إلقائه عليه، إذا هو قد تثاءب كعادته، ثم التفت إلي مملوء الجفنين من النعاس فقال: إذا جاء الليل ذهبت الشياطين، فالقني أصيل الغد على باب القصر. فانتبهت من حلمي، فإذا أنا في عشي بحلوان.
Shafi da ba'a sani ba