الشرح: قد مضى اختلاف الأمراض في الطول والقصر، بسبب أمر طبيعي، وهنا يذكر اختلافها في ذلك بسبب أمر مرضي ولم يمثل بما يكون ذلك بسبب الأمر المرضي نفسه، بل بحال الأمر المرضي، وهو كونه متقدما. ويعلم من ذلك اختلافه بسبب ذلك الأمر، ومثاله التشنج فإنه إن حدثت الحمى بعده، قصرت مدته وكان علاجه أمكن؛ وإن حدث بعدها كان أطول وأردأ (69). والتشنج علة عصبية تمنع الأعضاء الانبساط، ويكون إما من امتلاء، وإما من استفراغ. ويحدث عن الاستفراغ، إذا جفت الرطوبة التي في العصب، فينقص طوله وعرضه أيضا، كما يعرض للأوتار والجلود في الصيف. ويحدث عن A الامتلاء، إما من مواد مؤذية بأن يتأذى بها العصب، فينقبض إلى مبدئه (70) كما يعرض عن القيء الزنجاري. وإما من خلط بارد غليظ يغلظ جرم العصب، فيزداد عرضه وينقص طوله، كما يعرض للأوتار والجلود في الشتاء. ويفرق بين هذه الأصناف، بأن ما كان عن الاستفراغ، كان عروضه قليلا قليلا، وبعد استفراغات مجحفة، أو حميات محرقة. وما كان عن الامتلاء، كان دفعة. فما كان من ذلك عن خلط مؤذ، دل عليه الاشتعال وعلامات غلبة الحرارة. وما كان عن خلط بارد، دل عليه أضداد ذلك. ومراده ها هنا بالتشنج، التشنج الذي عن خلط بارد، لأن التشنج في الأكثر يكون من ذلك؛ فلهذا أطلق عليه لفظة التشنج. وإنما قلنا أن مراده ذلك، لأن التشنج اليابس واللذعي يتضرران. بحدوث الحمى أكثر كثيرا مما لو كانت الحمى قبلهما. وإنما كان التشنج الرطب ينتفع وتقصر مدته بالحمى، لأن علاج مثل هذا هو إذابة البلغم وتسخينه وإنضاجه B والحمى تفعل ذلك. وأما إذا عرض بعد الحمى دل على أن الخلط كان غليظا جدا، فلما أذابته أوجب التشنج. وحين أوجب التشنج كان غليظا جدا بالنسبة إلى المعتدل، وإلا لم يوجب التشنج. وإذا كانت حرارة الحمى لم تلطفه عن ذلك، فأي حرارة نرجو أن تلطفه. فقد ثبت أن تأخر الحمى نافع، مقصر للتشنج الرطب، وتقدمها دال على طوله. ويعلم من ذلك أن حدوث الحمى مقصر نافع.
[aphorism]
قال أبقراط: لا ينبغي أن تغتر بخفة يجدها المريض بخلاف القياس، ولا أن يهولك أمور صعبة تحدث على غير القياس؛ فإن أكثر ما يحدث من ذلك ليس بثابت، ولا يكاد يثبت، ولا تطول مدته.
[commentary]
Shafi 94