الشرح: إن هذا الفصل لو وصل بما قبله لصح، إلا أن الأول كان الغرض منه بيان وجه طول الأمراض، لكنه لما علق ذلك بسبب البحران احتاج إلى تعديد الأيام التي يقع فيها البحران. وإنما كان ذكر الأمراض الحادة وذكر أن بحرانها يقع في أربعة عشر يوما، فبين في هذا الفصل تفصيل ذلك. وينبغي أن نبين السبب A في وقوف العلماء على أيام البحران. وإن كان الطبيب من حيث هو طبيب، ليس عليه إلا أن يعرف أن هذه الأيام اقتضت التجارب وقوع البحران فيها، ولا عليه أن يعرف كمية ذلك من جهة لا تتعلق باختلاف تغيرات تلزمه، وذلك لأنها تنقص جدا عند نقصان النور الظاهر وانمحاقه، وذلك عند الاجتماع وتمام الدورة، ويزداد جدا عند زيادة النور. وأعظمها عند الاستقبال، وهو نصف الدورة. ولذلك تزيد المياه في الآبار ، ويزداد نمو الثمار الرطبة كالقثاء، حتى سمع لنموها صوت، ويتشقق الرمان لفرط امتلائه رطوبة وتزداد (67) الأدمعة؛ ولأجل ذلك يحصل الجزر والمد في الأنهار ذوات المد والجزر. وإذ نصف الدورة يقتضي هذا التغير العظيم، فنصف نصف الدورة يقتضي تغيرا ما لا محالة، وهو التربيع؛ ونصفه يقتضي تغيرا أقل. والتغير الذي يكون في مادة المرض في هذه الأيام يكون B به البحران، لكن ذلك ليس معتبرا بحسب زيادة النور، بل بحسب تمام الدورة ونصفها، ونصف نصفها، ونصفه. وليست هذه الدورة مبتدية من حين الاجتماع أو غير ذلك، بل بالمعتبر في البحارين. الدورة وتنصيفها مبتدية من أول المرض، وللناس في ذلك خلاف، فقيل: من حين ظهور التغير عن المجرى الطبيعي، أي من حين ظهور التكسل والإعياء وغير ذلك؛ وذلك باطل، لأن المرض لم يكن وجد بعد. وقيل: من حين يطرح العليل نفسه. وهو باطل، فليس في كل مرض يطرح الإنسان نفسه. وأيضا فالناس في ذلك مختلفون، فمنهم من لا يطرحه إلا مرض قوي جدا، ومنهم من ينطرح بأدنى سبب. والحق أنه من حين يظهر المرض. وإذا ولدت المرأة ثم حمت بعد ذلك، فالحساب ينبغي أن يكون من حين أول المرض، لا من حين الولادة؛ وكذلك في الإسقاط. ونقول: إن من الاجتماع إلى الاجتماع تسعة وعشرين يوما A وخمس وسدس، وذلك ثلث بالتقريب، ينقص منه زمان الاجتماع وهو يومان ونصف وثلث؛ تبقى مدة الدورة ستة وعشرين يوما ونصف، فيقع البحران في السابع والعشرين، ونصفها ثلاثة عشر يوما وربع فيقع البحران في الرابع عشر، ونصف نصفها ستة أيام ونصف وثمن فيقع في السابع؛ فتكون هذه الأيام بحارين. وكل بحران فلابد له من يوم إنذار يكون فيه تغير ما، كما لابد قبل يوم القتال من تحرك ما، مثل ستر الخندق وتهيئة العدو للزحف. ثم ليس يوم أولى بذلك من الآخر، فيجب أن يكون هو النصف، ونصف ذلك ثلاثة أيام وربع ونصف ثمن، فيكون الإنذار في الرابع، لكنه قد يتقدم عن ذلك أو يتأخر، وخصوصا في مثل الغب، فإن البحران والإنذار لا يقع في الأكثر إلا يوم النوبة فيتقدم إلى الثالث أو يتأخر إلى الخامس بحسب استعجال الطبيعة لانحفازها بالمادة أو تأخرها انتظارا للنضج (68) التام. ثم إن أبقراط جعل اليوم الحادي عشر هو اليوم الرابع من B الأسبوع الثاني فتكون إذا ثلاثة أرابيع أحد عشر يوما، وجعل أول الأسبوع الثاني اليوم الثامن فيكون السبعة الأيام الأول رابوعين. وإنما يكون كذلك بأن يجعل بينهما يوم مشترك يعد في الرابوع الأول والثاني وهو اليوم الرابع. ويسمى ما كان كذلك من الأرابيع أو الأسابيع متصلة، وما ليس كذلك كالرابوع الثاني مع الثالث منفصلا. وكذلك جعل آخر الأسبوع الثالث اليوم العشرين، وستعلمه فيما بعد. وقد كان أول الأسبوع الثاني اليوم الثامن، فيكون إذا سابوعان ثلاثة عشر يوما، فلابد من يوم مشترك. وقد بنى الأطباء على هذا، فجعلوا حكم الأرابيع مخالفا لحكم الأسابيع؛ وذلك لأن الأرابيع رابوعان متصلان، والثالث منفصل لأن أوله أول الأسبوع الثاني وهو اليوم الثامن. وأما الأسابيع، فسابوعان منفصلان لأن أول الثاني اليوم الثامن، والثالث متصل لأن آخره اليوم العشرين. وضابطهم في ذلك أن الحساب إذا استغرق أكثر يوم فصلوا وإلا وصلوا؛ وذلك لأن الرابوع الأول ثلاثة أيام A وربع ونصف ثمن، وهو أقل من نصف يوم فوصلوا به الرابوع الثاني، فصار ذلك ستة أيام ونصف وثمن، وهو أكثر من نصف يوم ففصلوا، لأنه إذا كان ذلك الكسر أكثر من نصف يوم غلب على ذلك اليوم ذلك الرابوع أو السابوع فحسبوه له يوما كاملا، وجعلوا الذي بعده منفصلا عنه مبتديا من اليوم الذي بعده؛ فإن الأسبوع الأول ستة أيام ونصف وثمن وهو أكثر من نصف يوم فجعلوه يوما كاملا، فصار أول الأسبوع الثاني اليوم الثامن. ومجموع الأسبوعين ثلاثة عشر يوما وربع، وهو أقل من نصف يوم فوصلوا به السابوع الثالث، فكان أوله اليوم الرابع عشر وآخره اليوم العشرون. واليوم الحادي عشر منذر بالرابع عشر، لأنه اليوم الرابع من الأسبوع الثاني. وقد بينا أن منتصف السابوع منذر به، واليوم السابع عشر يوم إنذار لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر واليوم السابع من اليوم الحادي عشر. أما استدلاله على أنه يوم إنذار بأنه اليوم الرابع B من اليوم الرابع عشر فظاهر. وأما قوله: واليوم السابع من اليوم الحادي عشر. فهو تأكيد لحكمه بأنه إنذار، لأن يوم الإنذار هو نصف البحران؛ فإذا كان مع ذلك بحرانا من يوم ما، فهو بالدلالة على البحرانية أولى. وتفصيل باقي أيام البحران يؤخره إلى شرح قوله: العرق يحمد في المحمومين إذا ابتدأ من اليوم الثالث أو الخامس.
[aphorism]
قال أبقراط: إن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة، والخريفية طويلة ولاسيما إذا اتصلت بالشتاء.
[commentary]
Shafi 92