الشرح: أما تعلق هذا بما قبله فهو كالجواب عن دخل مقدر وهو أنه لما بين أن العلاج يكون بالضد، فكان لقائل أن يقول: لو كان كذلك لوجب أن يبرئ الأمراض كلها في ساعة واحدة، لأن البرء يكون بورود الضد، ويمكن ذلك في ساعة واحدة. فأجاب عن ذلك بأن الأمراض أنفسها تستحق بطبيعتها أن تبقى B أزمنة تأتي بحارينها فيها. ومثال ذلك أن الأمراض الحادة تستحق أن يأتي بحرانها في مدة أربعة عشر يوما. وإذا كان كذلك، لم يلزم برء الأمراض كلها في ساعة، فإن قيل: فعلى هذا لا يكفي ورود الضد في برء الأمراض، وذلك محال ومخالف لدعواه أولا. أما أنه مخالف لدعواه أولا فظاهر؛ فإنه قال: وشفاء سائر الأمراض يكون (64) بالمضاددة. وأما أنه محال، فلأنا نعلم بالضرورة أن المزاج المنحرف عن الاعتدال إذا أوردنا عليه ما يضاده رجع إلى الاعتدال، قلنا بل يكفي ورود الضد. ولكن الأمراض التي تستحق بطبيعتها أن تبقى زمانا ما، لا يمكن إيراد الضد عليها إلا في تلك الأزمنة. فإن المرض الامتلائي مثلا، علاجه بضده وهو الاستفراغ، ولكن الاستفراغ لا يمكن استعماله في أول يوم، بل لابد من انتظار النضج وتفتيح المجاري وإزالة الموانع، وذلك يحوج إلى زمان لا محالة. وتحقيق هذا أن كل مرض، فإما أن يكون مفردا، A أو مركبا. والمفرد أقسامه ثلاثة، لأن كل مرض مفرد فعروضه أولا إما أن يكون للأعضاء المفردة فقط، وهو أمراض سوء المزاج، فإن أمراض سوء المزاج لا يمكن عروضها أولا إلا للأعضاء المفردة، ومن أجلها يعرض للأعضاء المركبة. فإن الحرارة لا تعرض لليد، لأنها بديل يعرض أولا للحم الذي في اليد مثلا، ومن أجل ذلك يعرض لليد. وأما أن يكون عروضه أولا للأعضاء المركبة، وهو أمراض التركيب، كأمراض الخلقة والمقدار والعدد والوضع، فإن عروض هذه أولا للأعضاء المركبة، ومن أجلها تعرض للمفردة. وأما أن يكون بحيث يمكن عروضه لكل واحد منهما أولا، وهو أمراض تفرق الاتصال، ويسمى الأمراض المشتركة، فإنها تعرض للأعضاء المركبة أولا من غير أن يكون ذلك تابعا لعروضها للأعضاء المفردة. كما ينخلع العضو المركب فيفارق أحد جزأيه (65) الآخر من غير أن ينال المفرد تفرق اتصال البتة. وقد يعرض للعضو المفرد، من غير أن يكون تابعا في عروضه له لعروضه لعضو مركب B كما قد تنقطع بعض الأغشية. ويعني بالعضو المفرد، ما يشابه جزءه كله في اسمه وحده، كالعظم، والغضروف، والرباط، والوتر، والعصب، والشرايين، والأوردة، والأغشية، واللحم، والسمين، والشحم. ويعني بالعضو المركب ما يتركب من هذه، إما تركيبا أوليا كالعضل، أو ثانيا كالعين، أو ثالثا كالوجه ثم الرأس مثلا. فأما أمراض سوء المزاج، فما كان منها ساذجا، أي يكون عروضه للعضو من غير خلط متكيف بتلك الكيفية (66)، فهذا يكفي في برئه تعديل المزاج. والبارد سهل الزوال في ابتدائه، لأنه مناف للحياة. فالطبيعة تهتم به في أول حدوثه، وتصرف الأدوية إلى جهته، لكنه عسر في انتهائه لأنه لا يستحكم إلا وقد قهر الطبيعة وأخمد الحرارة الغريزية. والحار بالضد من ذلك، أعني عسر الزوال في ابتدائه، لأنه لا يضاد الطبيعة كثير مضادة، وسهل في انتهائه؛ لأنه إذا استحكم فقد اشتد إضراره بالطبيعة، فتهتم بدفعه. والترطيب أطول مدة من A التجفيف، لأن التجفيف كأنه إفقاد الجوهر الرطب بالتحليل، والمعاون على ذلك كثير، حتى لو فقد الوارد فقط لكفى ذلك في التجفيف وإن لم يستعمل مجففا. وأما الترطيب فهو إيجاد الجوهر الرطب، وذلك مضاد لمقتضى الحرارة المحللة الغريزية والغريبة والهواء الخارجي. وما كان من أمراض سوء المزاج ماديا، أعني أن يكون تكيف البدن أو العضو به، لأجل خلط له، تلك الكيفية، فهذا يحتاج في علاجه إلى استفراغ تلك المادة. ثم إن لم يكن قد يخلف بعدها سوء المزاج، كفى الاستفراغ، وإلا أحتيج إلى التعديل بعد الفراغ من الاستفراغ. والاستفراغ إنما يكون بعد النضج وتهيئة المادة لسهولة الخروج، وذلك يحتاج فيه إلى زمان لا محالة، ويختلف ذلك الزمان باختلاف عصيان المادة على النضج وقبولها له، وعصيانها يكون إما لغلظها، أو للزوجتها، أو لكثرتها فلا تقوى الطبيعة عليها، أو لضعف الطبيعة. وإن كانت المادة في نفسها مطيعة بحسب B القوة المتوسطة. فلهذا السبب كانت الأمراض المزاجية مختلفة في الطول والقصر، فوجب أن يكون لكل واحد منها زمان مقدر بحسب قبول المادة للإنضاج وعصيانها؛ فلذلك كان منها حادة ومزمنة. ثم قدر الأمراض الحادة، لأن المزمنة غير مضبوطة فقد تطول حتى تبقى العمر كله. ولأن أكثر البحارين الواقعة هي الحادة، لأن أكثر الأمراض الواقعة حادة، ولهذا قال: إن البحران يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشر يوما. والبحران به ينقضي المرض، فالمرض الحاد ينقضي في أربعة عشر يوما. وأما لما كان كذلك فسنذكره في شرح الفصل الذي بعده. ونريد أن نتمم القول في باقي الأمراض ونبين وجه اختلافها، بالطول والقصر؛ فنقول: وأما أمراض التركيب فتنحصر في أربعة أقسام: أمراض الخلقة، وأمراض المقدار، وأمراض العدد، وأمراض الوضع. وأمراض الخلقة أربعة: أحدها: أمراض الشكل، بأن تتغير عن مجراه الطبيعي تغيرا يلزمه آفة، ويحتاج في مداواته أن يرد العضو إلى شكله ويشد مدة حتى يبقى على تلك الحال. وثانيها: أمراض المجاري A إما بأن تتسع، أو تضيق، أو تنسد. ويحتاج في مداواتها أن يرد العضو إلى حالة تسد المتسع وسكونه، وبالتفتيح والإرخاء والتسخين والترطيب ليتسع الضيق، وينفتح المنسد الحادث عن مقابل كل واحد من هذه. وثالثها: أمراض الأوعية؛ إما بأن تكبر وتتسع، أو تصغر وتضيق، أو تنسد وتمتلئ، أو تستفرغ وتخلو. ويحتاج في مداواتها إلى مقابلات أسباب ذلك. ورابعها: أمراض سطوح الأعضاء؛ وذلك إما ملامسة، فيجب أن تحس. أو خشونة فيجب أن تملس. وأما أمراض المقدار: فإما بالزيادة، أو النقصان. وكل واحد إما عام للأعضاء، أو خاص بعضو. وكل ذلك يحتاج في مقابلته إلى زمان طويل. وأما أمراض العدد: فإما بالزيادة، أو النقصان. وذلك إما طبيعي أو غير طبيعي. وأما أمراض الوضع: فلزوال ذلك العضو عن موضعه، بخلع أو بغير خلع؛ أو حركته حيث يجب سكونه، أو سكونه حيث تجب حركته، أو تعذر حركته إلى جاره، أو عنه، أو تعسرهما. ولاشك أن إصلاح ذلك مما يحوج إلى زمان طويل. وأما أمراض تفرق الاتصال B فتحتاج في مداواتها إلى جمع ما تفرق، وحفظ ما قد جمع على حاله، والتحرز من وقوع شيء فيما بين ما تفرق، وحفظ طبيعة ذلك العضو عليه. وكل ذلك محوج - لا محالة - إلى زمان، فلهذا تعذر برء الأمراض في ساعة واحدة ووجب أن تبقى زمانا ما له قدر.
[aphorism]
قال أبقراط: اليوم الرابع منذر بالسابع، وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن. والمنذر باليوم الرابع عشر، اليوم الحادي عشر؛ لأنه اليوم الرابع من الأسبوع الثاني. واليوم السابع عشر أيضا يوم إنذار؛ لأنه اليوم الرابع من الرابع عشر، واليوم السابع من الحادي عشر.
[commentary]
Shafi 89