وَكَانَ يَوْم دَفنه يَوْمًا مشهودا ووقتا معدودا ضَاقَتْ بِهِ الْبَلَد وظواهرها وتذكرت بِهِ أَوَائِل الرزايا وآواخرها وَلم يكن أعظم مِنْهَا مُنْذُ مئين سِنِين جَنَازَة رفعت على الرّقاب ووطئت فِي زحامها الأعقاب وَسَار مَرْفُوعا على الرؤوس متبوعا بالنفوس تحدوه العبرات وتتبعه الزفرات كَانَ أمة وَحده وفردا حَتَّى نزل لحده
ورثاه بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا ... بر السوابق ممتد الْعبارَة لَا ... يَنَالهُ ملل فِيهَا وَلَا ضجر
وَلم يكن مثله بعد الصَّحَابَة فِي ... علم عَظِيم وزهد مَا لَهُ خطر
طَريقَة كَانَ يمشي قبل مشيته ... بهَا أَبُو بكر الصّديق أَو عمر
فَرد الْمذَاهب فِي أَقْوَال أَرْبَعَة ... جَاءُوا على أثر السباق وابتدروا
لما بنوا قبله عليا مذاهبهم ... بنى وَعمر مِنْهَا مثل مَا عمروا
مثل الْأَئِمَّة قد أَحْيَا زمانهم ... كَأَنَّهُ كَانَ فيهم وَهُوَ منتظر
إِن يرفعوهم جَمِيعًا رفع مُبْتَدأ ... فحقه الرّفْع أَيْضا إِنَّه خبر
قَالُوا قبرناه قُلْنَا إِن ذَا عجب ... حَقًا اللكوكب الدُّرِّي قد قبروا
لم يبكه ندما من لَا يُصِيب دَمًا ... يجْرِي بِهِ ديما تهمي وتنهمر
لهفي عَلَيْك أَبَا الْعَبَّاس كم كرم ... لما قضيت قضى من عمره الْعُمر
سقى ثراك من الوسمي صيبه ... وزار مفناك قطر كُله قطر
يَا وَارِثا من عُلُوم الْأَنْبِيَاء نهى ... أورثت قلبِي نَارا وقدها الْفِكر
يَا وَاحِدًا لست أستثني بِهِ أحدا ... من الْأَنَام وَلَا أُبْقِي وَلَا أذر
يَا عَالما بنقول الْفِقْه أجمعها ... أعنك تحفظ زلات كَمَا ذكرُوا
كم من فَتى جَاهِل غر أبنت لَهُ رشد الْمقَال فَزَالَ الْجَهْل وَالْغرر ...
1 / 67