فرجعت وأنا في غاية السرور لأني سمعت بأذني شهادة السودانيين بارتياحهم إلى الأوروبيين الذين نجوهم من المظالم التي كانت تتسم بها حكومة البلاد السابقة.
ولما برحنا كبكبية وصرنا على مسيرة نصف يوم منها، أدركتنا رسل أرسلها إلينا آدم عمر برسالة مكتوبة بالشفرة الفرنسية بعثها إلي مركو بولي بك باسم الحاكم العام، وكانت قد أرسلت ليلا إلى فوجة ثم إلى كبكبية عن طريق الفاشر وهذا نصها:
أغار درويش يدعى محمد أحمد بدون مسوغ على راشد بك وجنوده، قريبا من عذير، وأباده هو والجنود، الثورة خطرة جدا، اعمل اللازم في مديريتك حتى لا ينضم إلى هذا الدرويش أي واحد من الساخطين.
فكتبت الرد في الحال وهو:
وصلت إلي الرسالة، وسأتخذ الإجراءات اللازمة لإنفاذ أوامرك.
وقد كنت سمعت قبل وصول هذه الرسالة إلي بمدة أن شيخا من مشايخ الدين قد ظهر وأخذ يناوئ الحكومة ويحث الناس على العصيان، ولكني لما لم أسمع شيئا عنه من الحكومة بصفة رسمية استنتجت أن مسألته قد سويت، ولكن إبادة المدير راشد بك وجنوده صارت تبدو لي الآن في غاية الخطر، والظاهر أن الحركة قد امتدت فجأة ولكن من كان يمكنه وقتئذ التنبؤ بالنتائج الهائلة التي بلغتها فيما بعد هذه الحركة.
ولم يكن من الممكن الآن أن أرجع بعد أن شرعت في السير نحو عرب البادية وعرب المهرية بدون أن أثير القلق في النفوس عن علة رجوعي في نصف الطريق، فعولت على أن أتمم هذه المهمة قبل رجوعي.
ومن الغريب أن عرب البادية هؤلاء مع أنهم محاطون من كل جانب بالمسلمين، يكادون يؤلفون القبيلة الوحيدة التي لا تزال متعلقة بعادات الوثنية القديمة في وسط أفريقيا، فإذا سئل أحد رؤسائهم أن يصرح بدينه قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولكنه لا يعرف شيئا غير هذه العبارة؛ فهو يجهل القرآن ولا يصلي مع المسلمين.
وكانت عرب البادية يجتمع رجالها تحت شجرة كبيرة جدا من شجر الهجلك وقد فرشت أرضها بالرمل، فيتمنون على إله مجهول ما يريدون ويدعونه إلى حمايتهم.
ولهم أعياد دينية تقع في أوقات غير معينة، فيصعدون إلى التلال ويقفون على القمة التي يطلونها بالجير ثم يذبحون أضحياتهم، وهم طوال الأجسام لهم هيئة شريفة ولونهم أسود شديد السواد، ولكن أنوفهم دقيقة وأفواههم صغيرة؛ وهم لذلك أشبه بالعرب منهم بالزنوج، ونساؤهم مشهورات بشعرهن الطويل السبط، وبينهن جميلات يشبهن جميلات العرب، وهم يلبسون وزرة من جلود الحيوان، ولكن النساء والطبقة العالية من الرجال يلبسون ملابس طويلة مصنوعة من قطن دارفور، وطعامهم غاية في البساطة.
Shafi da ba'a sani ba