قال اليافعي : وكان الشيخ المذكور قد ابتلي بذهاب البصر ، فقال عند ذلك مخاطبا نفسه :
وقالوا قد دهى عينيك سوء
فلو عالجته بالقدح زالا
وتوفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة عن ثمان وثمانين سنة ، ودفن بجنب ولده ، وقبراهما هنالك بجنب المسجد يزورهما الصالحون وغيرهم ، والله أعلم.
ولم نقم في هذه الجزيرة إلا نصف نهار حتى عدنا إلى اقتحام التيار واستلام ذلك الفلك السيار. فسرنا والبحر المديد دائرته مختلفة ، ولم نر مع وافر دوائره دائرة مؤتلفة ، والسفينة قد اشتملت بشراعها الصماء ، وتشاممت (2) وهي كما قيل : أنف في السماء وأست في الماء ، فلم نزل كذلك حتى جئنا (بندر الحديدة)، وقد أبدى فينا السأم أيده ، فألفيناها عامرة بالخيرات ، غامرة بالميرات ، وفيها من أنواع الرطب ما يلهي عن استماع الخطب ، ومن أقسام النوار ما يسلي الفرزدق عن النوار ، فعلمنا أن تصغيرها ليس للتحقير ، بل يعذب اسم الشيء بالتصغير ، فأقمنا بها ثلاثة أيام حتى قضينا منها المرام.
ثم أقلعنا منها للمسير مستبشرين بأن لم يبق من التعب إلا اليسير ، وإن
Shafi 59