فالجواب - وبالله التوفيق - إن هذا كلام مخلط يشبه كلام الممسوسين ( 1 ) لأنه ناقص غير تام ، وما ندعي الحق إلا فيما لا يقدر أي واحد ( 2 ) منهم أن ينكر ان الحق فيه من القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فقط ، وأما ذكر هيئات واشتقاق وتفتيق ، فحمق صفيق ، وهذيان عتيق ، ومن عند الله يكون التوفيق . وأما تغليبنا الظاهر وإعماله ، على مفهوم خطابه ، فكلام لا يعقل لاستعمال الظاهر دالا بمفهوم خطابه ، وهو نفسه الذي يبدو للسامع منه ، لا معنى للظاهر غير ذلك . فلو عقل هؤلاء المساكين [ 176 / أ ] ما تكلفوا ما يفتضحون فيه من قرب ، لكن من يضل الله فلا هادي له . وأما ترك الأخذ بالتأويل ، فلا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما تأويل يشهد بصحته القرىن ، أو سنة صحيحة أو إجماع ، فبه نقول إذا وجدناه ، وإما تأويل دعوى لا يشهد بصحته ( 3 ) نص قرآن ، ولا إجماع ، فهذا الذي ننكره وندفعه ونبرأ إلى الله تعالى منه . فإن كانوا أنكروا إنكارنا هذا الباطل ، فما يحتاج معهم إلى تطويل أكثر من أن نقول لهم : ما الفرق بين تأويلكم العاري من شهادة القرآن والسنة ، وبين تأويل غيركم من الحنفيين ( 4 ) والشافعيين إذا عري أيضا من تصحيح القرآن والسنة وهذا ما لا سبيل إلى فرق بينه ، ولا يتبع شيئا مما هذه صفته بعد قيام الحجة ووصول البيان إليه إلا ( 5 ) محروم التوفيق محروم البصيرة . وأما الأحكام الماضية بين السلف الصالح ، رضى الله عنهم ، فإنها لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أحكام لم يختلفوا فيها ، وإما أحكام اختلفوا فيها : فأما الأحكام التي لم يختلفوا فيها ، فهم الذين يخالفونها كخلافهم إعطاء أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما - بحضرة الصحابة دون خلاف من أحد منهم - ارض خبير اليهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر إلى غير أجل ، فخالفوا هذا الحاكم ، وقالوا : هذا باطل لا يجوز . وغير هذا كثير جدا قد جمعناه عليهم مما لا ينكرون صحته . وأما الأحكام التي فيها [ اختلاف ] ، فإنا حكمنا فيما امرنا الله تعالى أن يرد إليه ما تنازع العلماء فيه من القرآن ، ومن السنة الصحيحة ، فلأيهما شهد القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحة أخذناه . وأما هم فحكموا على الصحابة رضي الله عنهم رأى مالك ، واختيار ابن القاسم ، فلينظر الناظر أي الطريقين أهدى فإن قالوا : ما يتهم مالك ولا بن القاسم . قيل لهم : ولا يتهم سفيان ولا ابن المبارك ولا الأوزاعي ولا الوليد بن مسلم [ 176 ب ] ولا الليث ومن روى عنه ، ولا أحمد بن حنبل ولا سائر الفقهاء ، فأي فرق بين تحكيم أولئك فيما اختلف فيه السلف ، وبين تحكيم هؤلاء ومن فوقهم من التابعين .
8 - ثم قالوا : ' وهو مع ذلك ضعيف الرواية عار من الشيوخ ، وإنما هي كتب حسنها وأتقنها وضبطها ؛ فمنها مروي مما قد رواها ( 1 ) على شيخ أو شيخين لا أكثر ، ومنها كتب مشهورة ثابتة بيده صحيحة ، مثل المسانيد ، والمصنفات والصحيح كمسلم والبخاري ، لا يمترى في شيء منها ، ومنها ما قد خفي على المحتج لعدم الراوي لها ، وقلة استعمالها أو لطروئها ( 2 ) وحدوثها في بلدتنا لم يروها علماء بلدنا ، ولا شغلوا ( 3 ) بها ، ولا سمعوا بها فيما مضى عمن مضى ، فنافروها ولم يقبلوا عليها ، فهم لا مكذبون ( 4 ) لها ، ولا عاملون [ بها ] ، ثم إنهم رأوا فيها تغليب أحاديث قد تركت وسكت عنها الصحابة والتابعون ، والعلماء الماضون ، ومخالفة أحكام قد حكم بها السلف الصالح وقضوا بها واستمر الحكم عليها ' .
Shafi 81