لا تشير إلى طريقة فردية، وإنما تشير إلى طريقة جماعية أندلسية؛ وأرجو ألا يساء فهم هذه الروح لدى ابن حزم وان لا تلتبس بتلك الدعوى التي تشتط في القومية العرقية فترى في ابن حزم نموذجًا إسبانيًا في الغضب والوفاء ومواجهة الحسد بل وحتى في الثرثرة، إلى آخر ما هنالك من صفات، تميز الأسباني عن غيره من سائر البشر (١)، فإن هذه النعرة لاحقة بهذيان الممرورين، وبانتحال المميزات المتوهمة للتغلب على مركبات نقص، كان ابن حزم بريئًا منها، ولله الحمد، وهذا وحده يثبت أنه لم يكن أسبانيًا بهذا المعنى الذي يريده له بعض المتهوسين من العرقيين. إنما الذي أطمح إلى توضيحه هنا أن ابن حزم الناشئ في ظل الإسلام والثقافة العربية، المحب للدولة الأموية في الأندلس، المتعلق بوطنه، وحب الوطن من الإسلام ومن الايمان - كان يعتز بذلك الوطن، ويدافع عن فضائله. ولا يجد حرجًا في رسم صورته على حقيقتها، لأنه يحب تلك الصورة، حتى وإن كانت لا تعجب الآخرين، إننا حقًا نجد لدى ابن حزم صورة أندلسية، ولكن من الضروري أن نحذر - قبل المضي قدمًا في هذا البحث - من الإسراع إلى الظن بأن الأندلس تتفرد بهذه الصورة، ذلك أن ابن حزم لم يكن يحاول أن يقيم مقارنة بين الأندلس وغيرها، وإنما يرسم ما يراه في صدق ودقة، ولكن الدارس يستطيع من موقف المؤرخ أن ينشئ تلك المقارنة: فلقد نجد ابن حزم يقول: " وما رأيت قط متعاشقين إلا وهما يتهاديان خصل الشعر مبخرة بالعنبر مرشوشة بماء الورد، وقد جمعت في أصلها بالمصطكي وبالشمع الأبيض المصفى، ولفت في تطاريف الوشي والخز، وما أشبه ذلك، لتكون تذكرة عند البين. وأما تهادي المساويك بعد مضغها، والمصطكي اثر استعمالها فكثير بين كل متحابين قد حظر عليهما اللقاء (٢) فنظن ان هذه عادات أندلسية، وسمات
_________
(١) البرنس في المصدر السابق: ١٥٦ وما بعدها.
(٢) الفصل الخامس والعشرون (باب القنوع ص: ٢٣٢) .
1 / 43