حضارية خاصة بالأندلس، ولكن نقرأ في الموشى (والاستاذ غرسيه غومس يعرف النص تمام المعرفة) عند الحديث عن حب القيان " وتبعث (أي القينة) إليه بخاتمها وفضلة من شعرها وقلامة من ظفرها، وشظية من مضرابها، وقطعة من مسواكها، ولبان قد جعلته عوضًا عن قبلتها، ومضغة لتخبره عن نكهتها، وكتاب قد نمقته بظرفها، وطيبته بكفها، وسحته بوتر من عودها، ونقطت عليه قطرات من دمعها وختمته بغالية قد عدل بالعنبر متنها " (١) فندرك أننا نتحدث عن حضارة واحدة، ليس من فرق كبير فيها بين أندلس ومشرق، وإن كان ابن حزم غير مطالب بإجراء هذه المقارنة التي يستطيعها المؤرخ دونه. هذا في وسائل الحضارة وطبيعة العادات المتصلة بها، ولكن الأمر يتعدى ذلك إلى خلجات النفوس الإنسانية، ومدى تقبلها أو رفضها للمؤثرات المختلفة، فابن حزم حين يتحدث عن الحب لا يكاد يختلف عن الوشاء أيضًا حين يقول: " واعلم أن الحب مع ما فيه من المرارة والنكد وطول الحسرات والكمد مستعذب عند أربابه، مستحسن عند أصحابه، حلو لا تعدله حلاوة ولا تعدله مرارة " (٢) أو حين يقول: " وأعلم أن الهوى عندهم هو الهوان الصراح والبلاء المتاح لأنه يهين الكريم وبذل العزيز ويدله العاقل " (٣)؛ من غير أن يكون ابن حزم قد اطلع على ما قاله الوشاء أو غيره، دع عنك القول بان ابن حزم إنما قال ما قال لأنه " إسباني " الإدراك والأحاسيس، وكذلك هو الشان في مظاهر أخرى، لا داعي إلى الإطالة بالوقوف عندها.
وليس من الصواب ان ننفي كتاب " الزهرة " من بين تلك الحوافز التي دفعت ابن حزم إلى كتابة الطوق، بل ان نقلل من قيمته في هذه الناحية، كما زعم الأستاذ غرسيه غومس حين يقول: " إنه على الرغم من إشارة نصية بسيطة ومن التوافق في الاتجاهات العاطفية، فإن الطوق
_________
(١) الموشى: ٩٣؛ وانظر بحث الأستاذ غومس في المقارنة بين الموشى وطوق الحمامة.
(٢) الموشى: ٧٦٦٧.
(٣) الموشى: ٦٩.
1 / 44