٣ - تاريخ التأليف:
تقلبت الأحوال بابن حزم تقلبًا جائرًا في الفتنة، كان عمره حين انتقل أبوه من دورهم الجديدة بالجانب الشرقي (في ربض الزاهرة) إلى دورهم الجديدة في الجهة الغربية (أب بلاط مغيث) حوالي خمسة عشر عامًا وتسعة أشهر، وفي ذي القعدة من سنة ٤٠٢ توفي والده (وقبلها بنحو عام توفي أخوه أبو بكر في الطاعون)، وتوالت عليهم النكبات والاعتقال والمصادرة، ثم احتل جند البرابر منازل أهله، فاضطر للخروج عن قرطبة (أول المحرم سنة ٤٠٤ / ١٠١٣) فذهب إلى المرية يطلب الاستقرار فيها، ولم تطل فيها إقامته، فقد نكبه صاحبها خيران العامري إذ اتهمه مع صاحبة محمد بن إسحاق بأنهما يسعيان في استعادة الدولة الأموية، فاعتقلهما اشهرًا، ثم غربهما فذهبا إلى حصن القصر ونزلا على صاحبه عبد الله بن هذيل التجيبي فرحب بهما، ولما سمعا بقيام المرتضى عبد الرحمن بن محمد (٤٠٧/ ١٠١٦) لإحياء الدولة الأموية ركبا البحر من حصن القصر إلى لقائه في بلنسية، وسكنا معه فيها. ويبدو أن ابن حزم سار إلى قرطبة بعد إخفاق المرتضى ومقتله عند غرناطة، ويبدو أن ابن الخليفة بقرطبة يومئذ القاسم بن حمود، فدخلها (٤٠٩/ ١٠١٩) وبقي فيها حتى لاحت الفرصة بمبايعة عبد الرحمن بن هشام الناصري الذي لقب بالمستظهر (٤١٤/ ١٠٢٧) فقرب إليه ابن حزم وابن عمه أبا المغيرة وابن شهيد، لكن هذه الخلافة لم تدم أكثر من سبعة وأربعين يومًا، وبويع المستكفي فاعتقل ابن حزم وغيره من رجال المستظهر وسجنهم، ثم نراه سنة (٤١٧/ ١٠٢٦) في شاطبة، ولعله استوطنها قبل ذلك بقليل. وفي ذلك العام جاء إليه صديق من المرية (١) ونزل ضيفًا عنده بشاطبة، فلم يمض إلا وقت قصير حتى نشبت الفتنة بين أبي الجيش مجاهد العامري وخيران العامري (وكان ذلك سنة ٤١٧) فانقطعت الطرق بسبب هذه الحرب " وتحوميت السبل واحترس البحر بالأساطيل " فاشتد الكرب
_________
(١) أقدر أن هذا الصديق هو الذي كتبت له رسالة طوق الحمامة.
1 / 38