هذا لا ينفي أن الطوق للحماسة زينة منحتها بدعاء نوح، حين أرسلها لتستكشف المدى الذي سترسو عنده سفينته، فطوق الحمامة هنا كناية عن استلهام الجمال الذي هو مثار الحب اعني جمال الطوق لأنه حلية متميزة عن سائر لون الحمامة. ولست أستطيع هنا أن أتحدث عن " الحمائم " التي تقود مركبة فينوس - ربة الحب - في الأساطير الرومانية، فربما كان التوجه إلى هذا المعنى إيغالًا في التصور، ونقلًا من حضارة إلى حضارة أخرى، ولست كذلك أتوجه إلى أفانين الحب التي يمارسها الحمام، والتي يرى الجاحظ - أو من نقل عنه - أنها هي عين الممارسات التي توجد لدى الإنسان (١)، كأنما هي صورة طبق الأصل من شتى المواقف من إخلاص وغيرة وشذوذ وتضحية وما إلى ذلك من فنون، ولكني حين أجدني اصل إلى الحيرة في سر هذه التسمية، أتوقف عند " الجمال " " والتميز "، وكأني بابن حزم يقول: هذا كتاب يتحدث عن العلاقة السرية بين الجمال والحب أو هذا الكتاب بين الكتب كطوق الحمامة بالنسبة للحمامة؛ وعند هذا الحد أجد الثعالبي يقول ان الحمامة إنما أعطيت طوقها " من حسن الدلالة والطاعة "، فأضيف إلى الجمال والتميز عنصر " الطاعة " وهو عنصر هام في مفهوم الحب.
ومع ان ابن حزم يقول في رسالته: " وكلفتني أعزك الله ان أصنف لك رسالة في صفة الحب وأسبابه وأعراضه وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة " فغن العنوان الذي اختاره لرسالته هو " في الألفة والألاف "، يعني أنه تجاوز في رسالته ما كلفه به صديقه لأن " الألفة " كلمة اعم من " الحب " وهي ناظرة إلى الحديث الشريف في الأرواح: " فما توافق منها ائتلف ". وبسبب هذه العمومية نجده أحيانًا يخرج في أمثلته. التي يوردها من دائرة العشق، وذلك شيء سأتحدث عنه عند الحديث عن العلاقة بين نظريته في الحب، وتطبيقه لتلك النظرية.
_________
(١) الحيوان ٣: ٦٣.
1 / 37