ك: هذا ظلم من القياس. أشد من الموت ما تمني له الموت، وأعز من النفس ما بذلت له النفس.
ح: عن بذلك نفسك لم يكن اختيارًا بل كان اضطرارًا ولو أمكنك ألا تبذلها لما بذلتها، وتركك لقاءه اختيارًا منك أنت فيه ملوم لإضرارك بنفسك وإدخالك الحتف عليها.
ك: أنت رجل جدلي ولا جدل في الحب يلتفت إليه.
ح: إذا كان صاحبه مؤوفًا.
ك: وأي آفة أعظم من الحب
ومع أن هذا القيرواني هو الذي فتح باب الجدل، فانه عاد يلوذ بما أرقته الطبيعة الأندلسية نفسها حين اقتصرت على الشعر والقصص، ويقول " ولا جدل في الحب يلتفت إليه "، وكأنه يردد بهذا قول الشاعر المشرقي:
ليس يستحسن في شرع الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج وعلى هذا الأساس - وخضوعًا لمنطق البيئة الأندلسية - لم يكن ابن حزم بحاجة إلى التنظير، وكان يكفيه منه القليل الذي وجده في كتاب الزهرة، كما سنرى من بعد.
٢ - تسمية الرسالة:
سمى ابن حزم رسالته " طوق الحمامة " فلماذا اختار هذا الاسم يقول الثعالبي: " طوق الحمامة يضرب مثلًا لما يلزم ولا يبرح ويقيم ويستديم (١) "، ترى هل هذا هو المعنى الذي أراده ابن حزم حين اختار هذه التسمية دعني أقرر أنها فريدة، بادئ ذي بدء، ولكن من درس أحوال الحب في الكتاب يجد ان معنى " الدوام " ليس من الأمور التي تلازم الحب، لا من حيث النظرية ولا من حيث التجربة، غير أن
_________
(١) ثمار القلوب: ٤٦٥.
1 / 36