وحكايات العشاق المشارقة من ذخيرة كبيرة تصورات الشعراء والرواة والقصاص لموضوع الحب.
ولعله لم يكن يجد في البيئة الأندلسية تنظيرًا حول " الحب "، ولكن البيئة الأندلسية كانت تمده بشيئين هامين: أولهما ذلك الشعر العفيف المتشبه بالشعر العذري، نزولًا على أحكام الظرف والفتوة السليمة (وإن كان يوازيه في خط آخر شعر المجون)؛ وقد مهد أبن فرج في كتاب " الحدائق " لذلك السياق الأندلسي الخالص في شعر الحب، وكان أبن حزم معجبًا بكتابه، كما كان يزيد على ما عرفه أبن فرج أشعارًا كثيرة جدت من بعده وجرت في ذلك السياق، وأبو محمد ذو حافظة عجيبة وذوق رفيع في الحفظ والتخير، وذو رغبة حافزة للإطلاع على كل ما يتصل بالأندلس من تراث أدبي وغير أدبي؛ وثانيهما: قصص الحب في الأندلس، ومنها المتصل بالماضي ومنها التجارب المعاصرة التي جرت لأفراد يعرفهم أبن حزم أو يسمع عنهم، فذلك الشعر وتلك القصص كانا مظهرين هامين في " الحب الأندلسي ". فأما التنظير فقد بدأت بوادره تتسرب في مجالس الجدل كما يشير إلى ذلك كتاب الطوق نفسه، وفي المحاورة التي جرت بين أبن كليب القيرواني وأبن حزم أيام كونهما بقرطبة في التفلسف حول أمور تتعلق بالحب (١) ما يدل على ذلك: وإليك هذه المحاورة (ك أبن كليب، ح أبن حزم) .
ك: إذا كره من أحب لقائي وتجنب قربي ما أصنع
ح: أرى أن تسعى في إدخال الروح على نفسك بلقائه وإن كره.
ك: (أنا) لا أرى ذلك بل أوثر هواه على هواي ومراده على مرادي، وأصبر ولو كان في ذلك الحتف.
ح: إني إنما أحببته لنفسي ولالتذاذها بصورته فأنا أتبع قياسي وأقود أصلي وأقفو طريقتي في الرغبة في سرورها.
_________
(١) أنظر الباب الرابع عشر، وهو باب الطاعة ص: ١٥٨ - ١٥٩.
1 / 35