يهيئه ليدرك قيمة رضى الله تعالى، لأن الله تعالى أحرى بأن يتبع رضاه وتتجنب مخالفته (١)؛ فكأن الحب الإنساني رياضة في مرحلة أولى ينتقل بعدها " العبد " إلى مرحلة ثانية.
هذه المفهومات الأربعة للحب قد جمعت معًا - بشكل موجز - في كتاب " الزهرة "، وهو كتاب عرفه أبن حزم معرفة تمكن واستلهام، فلو لم يطلع على المصادر الشرقية الأخرى، لكان كتاب " الزهرة " وحده كافيًا في هذا المجال. ولكنه كان يعرف من دون ريب مروج الذهب للمسعودي، وما ورد فيه من مقامات المتكلمين حول الحب، كما كان يعرف بعض الكتب الطبية، ولا أستبعد أن يكون قد عرف " فردوس الحكمة " لعلي بن ربن الطبري (٢٤٧/ ٨٦١) أو مصدرًا مشبهًا له، فالحديث عن ضروب المحبة عندهما متشابه، يقول أبن ربن: " فإن من شأن النفس الولوع والعجب بكل شيء حسن من جوهر أو نبت أو دابة (٢) " ويقول أبن حزم: " فالظاهر أن النفس الحسنة تولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المتقنة (٣) " ثم يتفقان على أن الإثارة الأولى بعد تحريك الإعجاب هي " الشهوة " ويتمايزان بعد ذلك في الاستنتاج. وليس ببعيد أيضًا أنه عرف مصادر شرقية أخرى ذات علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد (٤)، هذا بالإضافة إلى ما كان يمده به الشعر المشرقي،
_________
(١) الزهرة ١: ١٨.
(٢) فردوس الحكمة: ٩١.
(٣) طوق الحمامة: ٤.
(٤) نشر الأستاذ غوسيه غومس (مجلة الأندلس ١٩١ ص ٣٠٩٣٣٠) بحثًا درس في معظمه مواطن اللقاء بين طوق الحمامة وكتاب الموشى، وكثير مما أورده ليس سوى تشابه عارض، س أو هو يمثل خلاصة تجارب انسانية ومواقف شعرية حول الحب، وقد أشرت الى بعض تلك المقارنات في الحواشي، وأهملت ما رأيته تزيدًا، فمثلا الحديث عن كيد النساء ومكرهن ليس من الضروري أن يجده ابن حزم لدى الوشاه، وكذلك الحديث عن علامات الحب من نحول واصفرار وقلة نوم.. الخ فمثل هذه الأمور تعد قدرًا مشتركًا عند اثارة قضية " الحب ".
1 / 34