والسابعة: طبقةُ المقلِّدين الذين لا يقدرون على ما ذُكر، ولا يفرِّقون بين الغثِّ والسَّمين، ولا يميِّزون الشمال عن اليمين، بل يجمعون ما يجدون، كحاطب ليل، فالويل لهم ولمن قلَّدهم كل الويل" انتهى.
وسادسها (١): أنَّ الرواياتِ التي ذَكَرها هؤلاء المصنفون لم يذكروا سَنَدها، ولا أسندوها إلى أحدٍ من المخرِّجين، وقَبولُ الحديث الذي لا أصل -أي: لا سند- له: ليس من شأن العاقلين، فإنَّ بين النبيِّ ﷺ وبين هؤلاء الناقلينَ مفاوزَ تنقطعُ فيها مَطَايا السَّائرين، فكيف يجوزُ الاستناد بمجرَّد قولهم: قال رسول الله ﷺ: كذا وكذا؟! فإن الرواية -وصولُها إليهم وإلينا- لا يمكنُ أن يكون بدون الوسائط، فلا بدَّ من تحقيقِ أحوالِ الوسائط وتشخيصِهم، وَكَشْفِ عدالتهم؛ ليكتسبَ الحديث به صفةَ القَبول إن وُجِدَت في رواتِهِ صفاتُ القَبول، أو صفةَ الردِّ إن كانت في رواتها صفاتُ الردِّ، وبدون ذلك فالاستناد به لا يليق بمن له أدنى مُسْكة.
وقال محمَّد بن عبد الباقي الزُّرقاني في "شرح المواهب": قال ابن المبارك: "الإِسناد من الدِّين، ولولا الإِسناد لقالَ مَنْ شاءَ ما شَاء".
وعنه: "مَثَلُ الذي يَطْلُب دينَه بلا إسناد، كَمَثَل الذي يرتقي السَّطحَ بلا سُلَّم".
وقال سفيان الثوري: "الإِسنادُ سِلاحُ المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاحٌ فبأي شيءٍ يقاتل"؟!
_________
= "مجمع البحرين وملتقى النهرين" توفي سنة ٦٩٤ رحمه الله تعالى. كما في "الفوائد البهية" ص ٢٦ - ٢٧.
(١) أي سادس الوجوه في الرد عمَّا استندوا إليه من الروايات والعبارات.
1 / 49