ومنهم حمَّاد عجرد وكان خليعًا ماجِنًا متهمًا في دينه، وفيه يقول الشاعر:
نعم الفتى، لو كلن يعرف ربَّهُ ... ويقيمُ وقت صلاته حمَّادُ
هدلت مشافرَهُ الدِّنانُ وأنفه ... مثل القدوم يسُنُّها الحدَّادُ
وابيضَّ من شرب المدامة وجهُهُ ... فبياضُه يوم الحساب سوادُ
وكان يهاجي بشارًا، وكان حمَّاد يؤدب ولد الربيع الحاجب، فقال بشار:
يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئبُ في الغنم
إن حماد عَجْردٍ ... شيخ سوءٍ كما اعتلم
بين فخذيه حربةٌ ... في غلافٍ من الأدم
فهو إن راءَ غفلةً ... مجمج الميم بالقلم
فلما بلغت البيات الربيع صرف حمادًا عن تأديب ولده.
ومنهم والبة بن الحباب الأسدي وهو الذي ربّى أبا نواس وأدَّبه وعلَّمه الفتوة وقول الشعر، وكان والبة ظريفًا، شاعرًا ماجنًا، يقال إنه كشف يومًا عن فقْحةِ أبي نواس فأعجبه حُسنها، فضرط عليه أبو نواس، فقال له والبة: ما هذا؟ فقال: أما سمعت المثل: جزاءُ من قبَّل الاست ضرطة، فزاد عجبًا، وعَلِكم أنه سيخرج ماجنًا، ووالبة القائل:
مزجت له مشعشعة شمولًا ... معتقةً كرقراق الشراب
فخلت على ترائبها نجومًا ... مطوفةً على ذهبٍ مذابِ
ومنهم فضل القراشي، وكان شاعرًا ماجنًا خليعًا يهاجي أبا نواس، وهو القائل:
ألا لا تعذلاني قد وهبت للذتي نسبي
إذا ما الماء أمكنني ... وصفو سلافة العنب
صبيت الفضة البيضاء فوق قُراضة الذهب
فأَسبُك منهما طربًا ... فزرني تلفِ ذا طربِ
ومنهم سلم الخاسر، وكان شاعرًا ماجنًا، وسميَّ الخاسر لأنه باع مصحفًا ورثه عن أبيه واشترى بثمنه طنبورًا، وهو القائل:
أمزج الراحَ براح ... واسقني قبل الصباح
ليس من شأني فدعني ... شربُ ذا الماء القراح
ونظر رجل إلى أبي نواس وهو بقُطْرُبُّل وفي يده كأسٌ وبين يديه عنب وزبيب، فقال له: ما هذا يا أبا علي، قال: الأب والابن والروح القدس، وهو القائل: إن تكونا كرهتما لذة العيش م حذار العِقاب يوم العقاب
فدعاني وما ألذ وأهوى ... وادفعاني في نحر يوم الحساب
وروى أحمد بن صالح قال: رأيت أنا نواس يومًا وقد كنس مسجدًا ورشَّه ونفض ترابه فقلت له: ما هذا، قال: يرتفع إلى السماء خبر ظريف! وروى الحِرمازي قال: قدم البصرة أعرابيان يقال لأحدهما جيدان وللآخر سيدان من تهامة، فقصدا الوالي وقد امتدحاه، فبينما هما في بعض الطرقات إذا هما ببرذون عابر فاتقاه جيدان فطرده عن نفسه فعاج على رجل سيدان فقطع اصبعًا من أصابعه، فتعلقا بالبرذون ولحقه صاحبه فقدماه إلى الوالي فأخذ لهما منه أرْشَ الإصبع خمسمائة درهم فقال جيدان لسيدان: ما تبغي من الوالي وهذه الدراهم معنا، مِل بنا إلى دار الخمار فإذا أنفدنا ما معنا رجعنا إليه فمالا إلى بيت خمَّار، فلما سكر جيدان أنشأ يقول:
فلا عطش ما دام في الدنِّ قطرةٌ ... وما بقيت في رجل سيدان إصبع
قال أبو جعفر الحنفي: دعاني يومًا بعض إخواني فوجدت عنده العباس بن الأحنف وأبا نواس فما زالا لا يتذكران ويتناشدان إلى ان قام العباس، فقلت لأبي نواس: كيف رأيك في العباس؟ قال: هو أرق من الوهم وأحسُّ من الفهم، ثم عاد وقام أبو نواس فسألت العباس عن رأيه فيه، فقال: أبو نواس أقر للعيون من إنجاز وعدٍ بعد يأسٍ، فلما أخذ الشراب منا مأخذه قال أبو نواس:
إذا آخيت ذا مجدٍ ... فلا تعدل بعباس
فنعم المرء إن نازعت يومًا ذروة الكاس
فقال العباس:
إذا نازعت صفو الكاس يومًا ... أخا ثقة فمثل أبي نواس
فتى يرضى الخليل ويصطفيه ... إذا ما خَلَّة نزلت بناس
ثم تناول أبو نواس قدحه فقال:
أيا عباس خذ كأسك إني آخذ كاسي
فأخذه وقال:
نعم يا واحد الناس على العينين واراس
فقال أبو نواس:
فقد طاب لنا المجلسُ بالنسرين والآس
فقال العباس:
وأقوامٌ بها ليلٌ ... كرامٌ غير أنكاسِ
فكنا في أطيب يوم بهما، قد شغلانا عن السماع بما يدور بينهما.
1 / 45