وقال ابن طولون لنفسه وقد جاءه الكتاب: «بئست الإمارة تقلدنيها امرأة ثمنا لمقتل خليفة له في عنقي بيعة.»
وتمرد على الأمر وتأبى على الإمارة.
وتسامع الناس في سامرا وبغداد بما كان من أمره ذاك في واسط، وبما كان من أمره قبل ذلك في طرسوس، فأكبروا خلقه ودينه، وبلغ محلا من نفس الترك والعرب جميعا ...
2
وكانت مصر يومئذ أثمن درة في تاج الخليفة، يباهي منها بما يملك لا بما يحكم، فليس يعنيه من أمرها إلا مقدار ما يؤدى إليه من خراجها،
11
وما يهدى إليه من طرائفها، وكذلك كان اعتبارها في أعين من يتقلدها من الولاة، فهي عندهم ضيعة للاستغلال، لا شعب يقتضي حسن الرعية، فليس همهم منها إلا ما يجمعون من مال الخراج، يؤدون منه ما يؤدون إلى الخليفة، ويتبقى لهم بعد ذلك من فضل الغلة ما يحقق لهم الغنى والجاه والسيادة، ومنهم من لا يعنيه من ولاية مصر إلا لقب الإمارة ... فكان الوالي إذا قلده الخليفة مصر يلتمس نائبا أمينا يكفيه أمرها ويحمل إليه من ثمرتها، ويظل حيث هو في الحضرة
12 (سامرا)، يباهي بإمارته ويدل بجاهه، وأمر مصر كله إلى نائبه هناك ...
على أن المصريين يومئذ لم يكونوا من ضعف الهمة، بحيث يرضون لأنفسهم هذه المكانة، فلم يكن الأمر ليستقيم طويلا لواحد من أولئك الولاة في مصر، وكانت ثورات المصريين على ولاتهم لا تكاد تهدأ، على أن هذه الثورات المتتابعة لم تكن من القوة بحيث تستطيع إحداث تاريخ جديد، ولكنها مع ذلك كانت إرهاصا
13
Shafi da ba'a sani ba