قال الله تعالى: { فلا تضربوا لله الأمثال }
إن قال قائل: لم قلتم: إن الله تعالى لا يشبه الأشياء، ولا تشبهه؟
قيل له: لأنه لا يخلو من أن يشبهها من جميع الجهات أو بعضها.
فإن أشبهها من كل الجهات، لكان مشبها لها، من حيث أشبهها، تعالى الله عن ذلك.
فإن قال قائل: فإذا علم العبد محدث، فكيف يعلم أنه لا يشبه شئ منها، ولا تشبهه؟
قيل له: يعلم بما نشاهد من المحدثات فيما بيننا: أن كل صنعة لا تشبه صانعها، كالكتابة لا تشبه الكاتب، والبناء لا يشبه الباني، فإن علم ذلك استدل بما ظهر له من ذلك، على ما غاب عنه، فعلم أن البارئ عز وجل لا تشبهه الأشياء ولا تشاكله، وقد قال الله تعالى: { ليس كمثله شئ } أي ليس هو كالأشياء تعالى الله عن ذلك.
الباب الرابع والأربعون
في القول في ذات البارئ
أشخص هو أم لا؟
والرد على المشبهة
المراد بذات الله إثباته والإخبار عنه، بأنه ليس كمثله شئ فنفسه ذاته، وذاته إثباته لا غير ذلك؛ لأنه تعالى ليس بذي جسم، لأنه تعالى لو كان جسما من الأجسام، لكان طويلا عريضا عميقا، لا يخلو من الحدود والنهاية والأعراض، فهذه صفة الجسم، ولولا ذلك لم يكن جسما وكانت جواهر.
ومن كان لا يخلو من الحركة والسكون، والنهاية والحركة والمكان، كان محدثا مخلوقا، إذ لم يقدر على أن لا يكون محدودا ذا نهاية وأقطار ومن الحركة والسكون والتأليف والأبعاض، جل الله عن ذلك، وليس عز وجل بعرض، إذ العرض لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، وهي الجواهر والأجسام فليس خالق الأجسام بجسم؛ لأن خالق الأجسام لو كان جسما لكنا نخلق من الأجسام تقديرا قويا، فلما استحال ذلك، علمنا أن خالق الأجسام ليس بجسم، ولو كان خالق الأشياء جسما أو جثة، لكان لا يخلو من أن يكون يقدر أن يزيد في جسمه أو جثته، أو لا يقدر.
Shafi 37