ورغم أن نظام الترجمة في كتاب الأغانى يقوم على الابتداء بنسب المترجم له والانتهاء بوفاته، فإن بعض التراجم كانت تنتهى بأخبار تتصل بالمترجم له بعد وفاته (٤٩) .
وإذا كانت الواحدة السادسة التى قدم فيها الطهطاوى الوظائف والعمالات البلدية قد مثلت لدى دارسى كتاباته التاريخية دالا من دوال تجديده (٥٠) فإنها- من حيث علاقتها بواحدات السيرة- تبدو متصلة بها في اعتمادها على تقديم كم كبير من المرويات السردية المختلفة، بينما تبدو- فى الان نفسه- منفصلة عن متن السيرة؛ إذ تبدو عرضا لجوانب اجتماعية وسياسية تنظيمية يستعين ببعض العناصر السردية كالأخبار والحكايات، كما تبدو إيجازا لكتاب الخزاعى (ت ٧٨٩ هـ) " تحرير الدلالات السمعية" (٥١) . وقد صرح الطهطاوى بأن إضافته تلك الواحدة إلى السيرة تمثل نمطا من أنماط التجديد في كتابتها (٥٢)، ولعل هذه الإضافة دال يشير إلى أن كتابة الطهطاوى السيرة لم تقف فقط عند حد التغيير في تقاليد كتابة السيرة النبوية، بل جمعت إليها لونا من النصوص المقالية- الاجتماعية والسياسية- التى قد تنهض- بدورها- دالا على تغير ما في توجهات الطهطاوى الفكرية في أخريات حياته.
وتختلف أطوال الواحدات السردية الكبرى في سيرة الطهطاوى نتيجة عاملين يتمثل أولهما في حجم العناصر السردية وغير السردية التى يعتمد عليها الطهطاوى، وتبدو الواحدة الرابعة، وهى الخاصة بظواهر ما بعد الهجرة، أطول هذه الواحدات، ولذا قسمها الطهطاوى إلى واحدات أصغر حيث جعل من أحداث كل عام وما فيه من غزوات واحدة واحدة. على حين يتمثل ثانيهما في بروز تقنيتى الإيجاز والحذف والاستطراد حيث تبدو فاعلية كل منهما سببا من أسباب تحديد حجم الواحدة السردية، من ناحية، ودالا- من ناحية أخرى- على أهمية هذه الواحدة أو تلك في متن الطهطاوى.
المقدمة / 38