من المنافع والمضار، فالتاريخ عمر ثان للناظرين، فمن تعلمه فكأنما زاد في عمره وأحسن عاقبة أمره) (٣٠) .
إن كتابة التاريخ لدى الطهطاوى بمثابة (معاد معنوى لأنه يعيد الأعصار وقد سلفت، وينشر أهلها وقد ذهبت اثارهم وعفت) (٣١) . وليست هذه سوى عملية استحضار للماضى، بأحداثه وشخصياته إلى وعى المتلقى الذى يتوجه إليه الكاتب المؤرخ، وتنهض تلك العملية على مجموعة من الأشكال السردية المختلفة التى يشير الطهطاوى إلى عدد منها عرفه التراث العربى القديم كالخبر والقصة والسيرة، ثم المقامة التى جمعت بين التعليم والنقد الاجتماعى. بينما يبدو تناول الطهطاوى للأسطورة بوصفها- شكلا سرديا- نابعا من اتصال الطهطاوى بالأدب الفرنسى وجذوره اليونانية. ومن اللافت أن كل الأشكال السردية العربية التى تناولها الطهطاوى قد كانت لها فاعليتها في تبلور أشكال الرواية العربية في مرحلة نشأتها بصفة خاصة.
يبدو مصطلح الخبر أو الأخبار لدى الطهطاوى مقترنا بالتاريخ من حيث كون التاريخ نقلا أو تقديما للأخبار، ومن هنا يربط الطهطاوى بين التاريخ والأخبار من ناحية، والكتب السماوية- فى جانب من جوانبها السردية- من ناحية أخرى. إذ يؤكد أنه لمكان العناية به (أى بالتاريخ) لم يخل منه كتاب من كتب الله المنزلة، فمنها ما أتانا بأخباره المجملة ومنها ما أتانا بأخباره المفصلة) (٣٢) .
ولعل تلك الأهمية التى نالتها الأخبار التاريخية هى التى جعلت الطهطاوى يرفض الأخبار التى أولع بها (الإخباريون والقصاص) من (الأقاويل غير المرضية) و(ما يظهر بعرضه على ميزان العقل أنه من محض الخرافات) أو من (الأباطيل والخزعبلات) (٣٣) . ويمثل موقف الطهطاوى استمرارا لمواقف فئات مختلفة في المجتمع العربى الوسيط من نشاط القصاصين وحكاياتهم وأخبارهم (٣٤)، كما أنه يمثل دافعا من الدوافع المباشرة التى دفعته إلى تلخيص السيرة النبوية وتقديمها في شكل موجز.
ويتردد مصطلحا القصة والقصص في مقدمة ترجمة الطهطاوى لرواية" مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" وفي كتابه" مناهج الألباب المصرية في مباهج الاداب
المقدمة / 33