Kiran Gaskiya
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Nau'ikan
مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
إلى فؤاد زكريا،
الصديق الكبير، والفيلسوف الحق.
مقدمة الطبعة الثانية
عندما يصل هذا الكتاب إلى يديك، تكون قد مرت خمس وعشرون سنة على صدور طبعته الأولى، وعلى رحيل الفيلسوف مارتن هيدجر عن دنيانا (في يوم الأربعاء الموافق للسادس والعشرين من شهر مايو سنة 1976م)، ولقد طوى القرن العشرون صفحاته ودفاتره، وأسلم ليد الذكرى أوراقه السوداء - التي امتلأت بثوراته وحروبه، وصراعاته وأيديولوجياته، ونكباته وأزماته ومواجعه - كما أودعها أوراقه المذهبة بأسماء عدد كبير من المفكرين والعلماء والأدباء والمصلحين والمبدعين الذين تزهو البشرية بإنجازاتهم في شتى الميادين. من يدري ماذا سيبقى في ذاكرة الأجيال القادمة من أعياد هذا القرن ومآتمه؟ ومن يدري إن كانت ثوراته التاريخية وأحداثه السياسية الكبرى لن تسقط في ليل الخواء والعدم، فلا يبقى لمن يعبر نفقه بأجنحة الخيال والتذكر بعد عشرات السنين أو مئاتها، سوى نقاط خافتة الضوء، أشبه بالأنوار المرتعشة للمنارات البعيدة على شواطئ بحر لا متناه، ترسلها عيون بعض الشخصيات التي عاشت في هذا القرن، وأضافت إلى رصيده كنوزا ورموزا باقية، من هذه الشخصيات ذات العيون المضيئة تطل علينا النظرات الجادة الحزينة لهيدجر الذي عاش محنة القرن، وكان - بعد أفلاطون وأرسطو - واحدا من أعمق من سأل السؤال الفلسفي عن الوجود.
لم تزل الحياة الفلسفية والثقافية منذ وفاة هيدجر وحتى يومنا الحاضر مشغولة بفكره، ولم تزل تقلب النظر في جوانبه المختلفة وإشكالاته التي تركها وراءه، وقد انتشرت أصداء هذا الفكر في آسيا - لا سيما اليابان - وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأخذ الناطقون بالإنجليزية يحتفون به، وينقلون نصوصه عن آخرها إلى لغتهم بعد أن أداروا له ظهورهم زمنا طويلا، ورفضوه بحجة غموضه الصوفي وصعوبة لغته، وتزايد الاهتمام الهائل به في فرنسا
1
لدى أنصاره وخصومه على السواء، وعند الوجوديين والبنيويين والتفكيكيين والفلاسفة الجدد، بالإضافة إلى عدد كبير من الكتاب والشعراء، على رأسهم صديقه رينيه شار، وتطرق الدارسون إلى العديد من الموضوعات المتشعبة التي تتعلق بمدى أصالة فلسفته وتأثيرها (كعلاقتها بالماركسية عموما وتأثيرها على الماركسية الجديدة، أو الماركسية الهيجلية والوجودية كما تسمى أحيانا عند أصحابها من رواد مدرسة فرانكفورت النقدية الاجتماعية، على الرغم من الهجوم الشرس الذي شنه عليه واحد منهم - وهو أدورنو - في كتيبه اللاذع عن «لغو الأصالة»)، كما تتعلق بقدرتها على الحياة في الحاضر والمستقبل بعد أن زادت محنة العصر التقني التي طالما حذر الفيلسوف منها في أواخر حياته، وأصبحت قضية بقاء الأرض والجنس البشري أو اندثارهما - لا بقاء الحضارة الغربية العلمية والتقنية وحدها - هما كبيرا ومشكلة مطروحة على ساحة البحث والمناقشة، وازدادت عزلة الناس عن بعضهم البعض وصدامهم العنيف أيضا مع بعضهم، وعمت الشكوى من أخطار التلوث وأسلحة الدمار الشامل، وتخريب خضرة الأرض، والتعصب والإرهاب والإحساس العام بالاقتلاع من الجذور، والاغتراب عن النفس والمجتمع والعالم والوطن والسكن ... بحيث تفاقمت المحنة التي تحدث عنها فيلسوف زمن المحنة واتخذت أبعادا مهلكة، وارتدت أردية مدمرة تذكرنا بالرداء المسموم الذي نسجته إليكترا المهجورة للزوج الغادر الذي خانها وتخلى عن أطفاله فانتقمت منه بقتلهم أيضا.
من أراد أن يفهم الشاعر، فليذهب إلى بلد الشاعر.
من أراد أن يفهم الشعر، فليذهب إلى بلد الشعر.
Shafi da ba'a sani ba