هذا وأما آدابه فإنه الروض النضير، والمجمع على لطافته وحسنه عند الصغير والكبير، وليس المراد من الأدب مجرد حفظ الأشعار، بل حفظها مع حسن الانتقاد، ومعرفة النكات والإشارات اللطيفة، والوجوه البيانية، والمحسنات البديعة، وإصابة الغرض، ومناسبة المقامات، ومراعاة مقتضيات الأحوال، والتفريق بين الفاضل من المفضول، والمجيد من غيره، وإيراد الأشباه والنظائر والقضايا والأخبار والأمثال المناسبة للمقصود، والاطلاع على السابق واللاحق، والمبتكر والسارق، والآخذ والموافق، مع ما تضمنه من البلاغة واشتملت عليه من الفصاحة ونحو ذلك من الاعتبارات التي لا يعقلها إلا من رسخت ملكته في العلوم، وضرب فيها بسهم قاسر(1) قامر وباع طويل [21-أ]، وله شعر أرق من النسيم، ولكنه لجلالة قدره لا يرضى على شيء منه، ولا يمكن أصحابه من إثباته ولا حفظه، وكثيرا ما يكتب القصيدة من إنشائه ثم يمزقها في الحال، ويقول: إن الشعر فضيلة الناقص، وله عدة مقطعات ينشئها في الحال ويودعها في غضون [16أ-ج] رسائله ونثره، وربما أضطر إلى إجابة مكاتبات إخوانه، فينشئ الجوابات في الحال ويرسله في ثوب ولادته من غير تهذيب ولا تسويد، ويأمر المجاب عليه بتمزيقه كقوله مجيبا على شيخنا العلامة فخر الدين عبد الله بن محمد الأمير وقد كتب إليه أبياتا يعتذر فيها، وسيأتي ذكرها قريبا، فأجاب شيخنا صاحب الترجمة بقوله:
زارت فوافت بالحمى مكمدا
مبلبل الأشواق يشكو الصدا
عقيلة لو أن لي قدرة
فرشت من عيني لها الأسود
جاءت إلينا من قصور العلا
فصار لي دهري بها مسعدا
تنفث بالسحر ولكنها
قد أرشدتنا(2) لطريق الهدى
وافت إلى ربعي نهارا فلن
تجعل عندي لليالي يدا
كأنه حين بدت شمسه
عرض لعبد الله عالي المدى
مجتهد العصر ونظاره
ومن لأركان التقى شيد
العالم المفضال من زينت
علومه(3) المتهم والمنجدا
Shafi 83