إلى طيء سواهما، فليس بمنكرٍ أن يشهد أحدهما لصاحبه بالفضل، ويصفه بأحسن ما فيه، وينحله ما ليس فيه، وخاصةً في الشعر؛ ثم في تأبين الميت فإن العادة جرت بأن يعطى من التقريظ، والوصف، وجميل الذكر، أضعاف ما كان يستحقه، فلا تدفعوا العيان؛ فلن يمحق وصف البحتري أبا تمام في حياته وتأبينه إياه بعد وفاته ما ظهر من مقابحة وفضائح شعره.
١٩ - قال صاحب أب يتمام: فقد علمتم وسمعتم الرواة وكثيرًا من العلماء بالشعر يقولون: جيد أبي تمام لا يتعلق به جيد أمثاله، وإذا كان جيد دون جيده لم يضر ما يؤثر من رديئه.
٢٠ - قال صاحب البحتري: إنما صار جيد أب يتمام موصوفًا لأنه يأتي في تضاعيف الردئ الساقط؛ فيجئ رائقًا لشدة مباينته ما يليه، فيظهر فضله بالإضافة، ولهذا قال له أبو هفان: إذا طرحت درة في بحر خرء فمن الذي يغوص عليها ويخرجها غيرك؟ والمطبوع الذي هو مستوى الشعر قليل السقط لا يبين جيده من سائر شعره بينونةً شديدةً، ومن أجل ذلك صار جيد أب يتمام معلومًا وعدده محصورًا.
1 / 54