فما زالت الرواة وشيوخ أهل الأدب والعلم يستحسنون هذا البيت ويستجيدونه له، وذكره عبد الله بن المعتز بالله - وقد علمتم فضله وعلمه بالشعر - في باب ما اختاره من التشبيه في كتابه الذي نسبه إلى البديع، ولكنكم أبيتم إلا إفساده، ثم أجلبتم وأكثرتم أن تنعوا على شاعر محسن بيتًا واحدًا، فما زلتم تبحثون وتتحملون حتى وجدتم أبياتأً تحتمل من التأويل ما يحتمله الأول، وهو قوله:
ضحكاتٌ في إثرهن العطايا ... وبروق السحاب قبل رعوده
وكلا البيتين إلى الصواب أقرب، ومن الخطأ أبعد، فأما قوله:
يخفي الزجاجة لونها فكأنها ... في الكف قائمةٌ بغير إناء
فإنما قصد إلى وصف هيئة الشراب في الإناء، ولم يقصد إلى وصف الشراب خاصة، ولا إلى الإناء، كما ادعيتي، ولو أراد وصف الإناء لكان مصيبًا؛ لأن الزجاجة أيضًا يوصف ما فيها، وتقع المبالغة في نعتها، وقد جاء في وصف أواني الشراب ما جاء، ومن أحسن ما قيل في ذلك قول علي بن العباس بن جريج الرومي يصف قدحًا:
1 / 33