اسم الشيء على ما هو جزاء له ، كما يجرى اسم الجزاء على الفعل ، ولذلك قالوا : الجزاء بالجزاء (1) ولذلك قال عز وجل : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) (2) وإن كان ما يفعله تعالى ليس سيئة ، وهذه الطريقة فى مذهب العرب معروفة ، فيجب أن تحمل الآية عليها.
فأما قوله : ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) فليس فى ظاهر قوله ( ويمدهم (3)) أن الطغيان من فعله فيهم ، وإنما أراد أنه يمدهم فى العمر نعمة منه عليهم ؛ لكى يستدركوا ما فاتهم فيتوبوا ، وهم مع ذلك يعمهون فى طغيانهم ، ولا يزدادون إلا شرا ، فالذى يضاف إليه هو المد فى العمر ، والطغيان والعمه إليهم يضاف ، على ما بيناه.
ثم يقال للقوم : لو كان الطغيان من فعله تعالى ، لما صح أن يضيف العمه إليهم ، فيقول : ( يعمهون ) وهو تعالى قد « خلقه ، ولما حسن (4) أن يذمهم ويوبخهم على ذلك.
وقوله تعالى من بعد : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) (5) « يدل على ما نقوله ، لأنه لا يوصف الإنسان بذلك إلا إذا اختار الضلالة على الهدى (6)، فلو كان ذلك من فعل غيره ، لم يصح أن يكون مشتريا لأحدهما بالآخر ، فكيف يصح أن يصفهم تعالى ، بقوله : ( فما ربحت تجارتهم ) وهو الذى اضطرهم إلى الضلالة؟ وكيف يضرب لهم الأمثال ، وهو الذى خلق فيهم الضلال؟!
Shafi 57