المسلمين أن يقتلوه حينئذٍ، وتربَّص زمانًا ينتظر قتلَه، ويظن أن بعضهم سيقتله، وهذا أوضح دليلٍ على جوازِ قتلِه بعد إسلامه.
واعلم أن افتراء ابن أبي سَرْح والكاتب الآخر النصراني على رسول الله ﷺ، بأنه كان يتعلَّم منهما افتراءٌ ظاهر، فإن النبي ﷺ لا يُكَتِّبه إلا ما أنزله الله عليه، ولا يأمره أن يُثْبِت قرآنًا إلا ما أوحاه الله ولا يتصرَّف به (^١) كيف شاء، بل يتصرف كما يشاء الله تعالى.
ثم اختلف أهل العلم؛ هل كان رسول الله أقرَّه على أن يكتب شيئًا غير ما ابتدأه النبي ﷺ بإكتابِه، وهل قال له شيئًا؟ على قولين:
أحدهما: أن النصرانيَّ وابنَ أبي سرح افتريا ذلك كلَّه، وأنه لم يصدر منه إقرارٌ على كتابةِ غيرِ ما (^٢) قاله أصلًا، وإنما هما افتريا ذلك لينفِّروا الناسَ عنه.
والقول الثاني: أن النبي ﷺ قال له شيئًا، فيقول له ويُمْلي عليه: "سميعًا بصيرًا"، فيكتب: "سميعًا عليمًا"، فيقول له: "دعه" (^٣)، ونحو ذلك.
ويكون كل واحد من الحرفين قد نزل، فيقول له: اكتب كذا وإن شئت كذا، فكلٌّ صواب، وقد جاء مصرَّحًا عن النبي ﷺ أنه قال: "أُنْزِلَ
_________
(^١) في مطبوعة "الصارم": "ولا ينصرف له" وما في المختصر أصح.
(^٢) في "الأصل": "على كتابة ما غير ما ... "! وهو سهو.
(^٣) أخرجه أحمد: (٣/ ٢٤٥ - ٢٤٦)، من طريق ثابتٍ عن أنسٍ، وأخرجه بنحوه في (٣/ ١٢٠ - ١٢١) وابن حبان "الإحسان": (٢/ ٦٢) من طريق حميد عن أنسٍ. وصححه شيخ الإسلام (٢/ ٢٤٢).
1 / 62