وقيل (^١): إن فيه نزلت: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ...﴾ الآية [الأنعام: ٩٣]
فوجه الدلالة: أنه افترى على رسول الله أنه كان يُتَمِّم له الوحي ويكتب ما يريد ويقرّه رسول الله على ذلك، وهذا نوع من أنواع السبِّ.
وكذلك لما افترى عليه كاتب آخر مثل ذلك، قَصَمه الله وعاقبه بأن أماتَه، وكلما دفنوه تلفظه الأرض (^٢).
فهذا من أوضح الدلالة أن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه.
فإباحة دم ابن أبي سَرْح بعد مجيئه تائبًا مسلمًا، وقول رسول الله: "هلَّا قتلتموه" ثم عَفوه عنه بعد ذلك = دليلٌ على أن النبيَّ ﷺ كان له أن يقتله وأن يعفو عنه، وهو دليلٌ على أنَّ له أن يقتل من سبَّه، وإن تاب وعاد إلى الإسلام.
وصحَّ (^٣) أن ابن أبي سَرْح كان قد رجعَ إلى الإسلام قبل الفتح، وقال لعثمان: "إن جُرْمي عظيم، وقد جئتُ تائبًا" (^٤)، ثم جاء به إلى النبي ﷺ بعد الفتح، وهدوء الناس بعدما تاب، فأراد النبي ﷺ من
_________
(^١) انظر "تفسير الطبري": (٥/ ٢٦٨)، و"أسباب النزول": (ص/ ٢٥٤)، و"الدر المنثور": (٣/ ٥٥ - ٥٦).
(^٢) أخرج القصة البخاري رقم (٣٦١٧)، ومسلم رقم (٢٧٨١) من حديث أنسٍ ﵁.
(^٣) لم يجزم شيخ الإسلام في "الصارم": (٢/ ٢٣٥) بصحته، بل قال: "رُوِيَ عن عكرمة ... " وقال: "وذكر آخرون أن ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام".
(^٤) في رواية الواقدي لقصته في "المغازي": (٢/ ٨٥٥).
1 / 61