الآحاد (^١)، وذلك أن يومَ فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي ﷺ فقال: يا رسول الله بايع عبدَ الله، فرفع رأسه فنظر إليه، ثلاثًا، كلُّ ذلك يأبى، فبايعه بعد الثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: "أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ يقومُ إلى هذا حين رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله"، فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أوْمأت إلينا بعينك؟ فقال: "إنه ما يَنْبَغي لنبيٍّ أنْ تكون له خائنةُ الأعْيُن" رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح، والنسائيُّ كذلك.
وكان قد ندر (^٢) رسول الله دَمَه، وكان أخا عثمان من الرَّضاعة، فشَفَع له إلى رسول الله فتركه، وكان ابن أبي سَرْح هذا قد أسلم ثم ارتدَّ ولحق بالمشركين، وكان يكتب لرسول الله الوحيَ، وكان لما رجع إلى المشركين يقول لهم: إني لأصرِّفه كيف شئت، إنه ليأمرني أن أكتب له الشئَ، فأقول له: كذا أو كذا، فيقول: نعم، وذلك أن رسول الله كان يقول: "عليم حكيم"، فيقول: أو أكتبُ: "عزيز حكيم" فيقول له: "نعم كلاهما سواء" (^٣).
_________
(^١) أخرجه أبو داود رقم (٢٦٨٣، ٤٣٥٩)، والنسائي: (٧/ ١٠٥ - ١٠٦)، والحاكم: (٣/ ٤٥)، والبيهقي: (٧/ ٤٠) كلهم من طريق أحمد بن المفضل حدثنا أسباط بن نصر الهَمْدَاني زعم السُّدي عن مصعب بن سعد عن أبيه به.
والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه شيخ الإسلام والألباني، انظر "السلسلة الصحيحة" رقم (١٧٢٣).
(^٢) في الأصل: "ند" وهو سهو.
(^٣) انظر "السيرة": (٢/ ٤٠٩) لابن هشام.
1 / 60