ودخل فيهم خزاعة وبنو بكر (^١)، ثم إن هذا الرجل المعاهد هجا رسول الله - على ما قيل عنه - وشجَّه ذلك الرجل، فلولا أنهم علموا أن هجاء النبي ﷺ من المعاهد مما يوجِبُ الانتقامَ منه لم يفعلوا ذلك.
ثم إن النبي ﷺ هَدر دمَه لذلك، وهذا نصٌّ في أنَّ المعاهد الهاجي يباح دمُه، ثم إنه أسلم في شعره، ولهذا عدُّوه من الصحابة، وقوله: "تعلَّم رسولَ الله" دليل على إسلامه، ومع ذلك فانكر أنه هجاه، وردَّ شهادة الذين شهدوا عليه، فإنهم أعداؤه، وبينهم حروب وقتال، فلو لم يكن ما فعله مُبِيحًا لدمه، لما احتاج إلى فعل شئٍ من ذلك.
ثم إنه بعد إسلامه واعتذاره وتكذيبه المُخْبِريْن ومدحِه لرسول الله، طلبَ العفوَ منه عن إهدارِ دمه، والعفوُ إنما يكون مع جواز العقوبة على المذنب (^٢)، فعُلِمَ أنه كان له أن يُعاقبه بعد مجيئه مسلمًا معتذرًا، وإنما عفا عنه حلمًا وكرمًا، مع أن العهد كان عهد هُدْنة ليس عهد جِزْية، والهادن المقيم ببلده يُظهر ببلده ما شاء، فلا ينتقض عهدُه حتى يُحارب، فعُلِمَ أن الهجاءَ من جنس الحِراب وأغلظ منه، وأن الهاجي لا ذِمَّةَ له.
الحديث التاسع (^٣): قصة ابن أبي سَرْحٍ، وهي مما اتفق عليها أهلُ العلم، واستفاضت عندهم استفاضةً تُغني عن رواية
_________
(^١) فخزاعةُ في عهده ﷺ، وبنو بكر في عهد قريش.
(^٢) في "الصارم": "الذنب".
(^٣) "الصارم": (٢/ ٢١٩).
1 / 59