ففيه نظر إذ لو اشترط في التأكيد اتحاد الدلالتين لم يكن حينئذ كل انسان لم يقم على تقدير كونه لنفى الحكم عن الجملة تأكيدا لان دلالة انسان لم يقم على هذا المعنى التزام (ولان النكرة المنفية إذا عمت كان قولنا لم يقم انسان سالبة كلية لا مهملة) كما ذكره هذا القائل لان قد بين فيها ان الحكم مسلوب عن كل واحد من الافراد والبيان لابد له من مبين. ولا محالة ههنا شئ يدل على ان الحكم فيها على كلية افراد الموضوع ولا نعنى بالسور سوى هذا وحينئذ يندفع ما قيل سماها مهملة باعتبار عدم السور. (وقال عبد القاهر ان كانت) كلمة (كل داخلة في حيز النفى بان اخرت عن اداته) سواء كانت معمولة لاداة النفى اولا وسواء كان الخبر فعلا (نحو ما كل ما يتمنى المرء يدركه) تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن أو غير فعل نحو قولك ما كل متمنى المرء حاصلا (أو معمولة للفعل المنفى). الظاهر انه عطف على داخلة وليس بسديد لان الدخول في حيز النفى شامل لذلك. وكذا لو عطفتها على اخرت بمعنى أو جعلت معمولة لان التأخير عن اداة النفى ايضا شامل له. اللهم الا ان يخصص التأخير بما إذا لم تدخل الاداة على فعل عامل في كل على ما يشعر به المثال والمعمول (اعم) من ان يكون فاعلا أو مفعولا أو تأكيدا لاحدهما أو غير ذلك (نحو ما جاءني القوم كلهم) في تأكيد الفاعل (أو ما جاءني كل القوم) في الفاعل وقدم التأكيد على الفاعل لان كلا اصل فيه (أو لم آخذ كل الدراهم) في المفعول المتأخر (أو كل الدراهم لم آخذ) في المفعول المتقدم وكذا لم آخذ الدراهم كلها أو الدراهم كلها لم آخذ ففي جميع هذه الصور (توجه النفى إلى الشمول خاصة) لا إلى اصل الفعل. (وافاد) الكلام (ثبوت الفعل أو الوصف لبعض) مما اضيف إليه كل ان كانت كل في المعنى فاعلا للفعل أو الوصف المذكور في الكلام (أو) افاد (تعلقه) أي تعلق الفعل أو الوصف (به) أي ببعض مما اضيف إليه كل ان كان كل في المعنى مفعولا للفعل أو الوصف. وذلك بدليل الخطاب وشهادة الذوق والاستعمال والحق ان هذا الحكم اكثري لاكلى بدليل قوله تعالى [والله لا يحب كل مختال فخور] [والله لا يحب كل كفار اثيم] [ولا تطع كل حلاف مهين] (والا) أي وان لم تكن داخلة في حيز النفى بان قدمت على النفى لفظا ولم تقع معمولة للفعل المنفى (عم) النفى كل فرد مما اضيف إليه كل وافاد نفى اصل الفعل عن كل فرد (كقول النبي صلى الله عليه واله وسلم لما قال له ذو اليدين) اسم واحد من الصحابة (اقصرت الصلاة) بالرفع فاعل اقصرت (ام نسيت) يا رسول الله (كل ذلك لم يكن) هذا قول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. والمعنى لم يقع واحد من القصر والنسيان على سبيل شمول النفى وعمومه لوجهين احدهما ان جواب ام اما بتعيين احد الامرين أو بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما لانه عارف بان الكائن احدهما. والثانى ما روى انه لما قال النبي عليه السلام كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين بل بعض ذلك قد كان ومعلوم ان الثبوت للبعض انما ينافى النفى عن كل فرد لا النفى عن المجموع (وعليه) أي على عموم النفى عن كل فرد. (قوله) أي قول ابى النجم قد اصبحت ام الخيار تدعى * على ذنبا كله لم اصنع برفع كله على معنى لم اصنع شيءا مما تدعيه على من الذنوب ولافادة هذا المعنى عدل عن النصب المستغنى عن الاضمار إلى الرفع المفتقر إليه أي لم اصنعه. (واما تأخيره) أي تأخير المسند إليه (فلاقتضاء المقام تقديم المسند) وسيجئ بيانه. (هذا) أي الذى ذكر من الحذف والذكر والاضمار وغير ذلك في المقامات المذكورة (كله مقتضى الظاهر) من الحال. (وقد يخرج الكلام على خلافه) أي على خلاف مقتضى الظاهر لاقتضاء الحال اياه (فيوضع المضمر موضع المظهر كقولهم نعم رجلا) زيد (مكان نعم الرجل زيد) فان مقتضى الظاهر في هذا المقام هو الاظهار دون الاضمار لعدم تقدم ذكر المسند إليه وعدم قرينة تدل عليه، وهذا الضمير عائد إلى متعقل معهود في الذهن والتزم تفسيره بنكرة ليعلم جنس المتعقل وانما يكون هذا من وضع المضمر موضع المظهر (في احد القولين) أي قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف واما من يجعله مبتدأ ونعم رجلا خبره فيحتمل عنده ان يكون الضمير عائدا إلى المخصوص وهو مقدم تقديرا ويكون التزام افراد الضمير حيث لم يقل نعما ونعموا من خواص هذا الباب لكونه من الافعال الجامدة. (وقولهم هو أو هي زيد عالم مكان الشان أو القصة) فالاضمار فيه ايضا على خلاف مقتضى الظاهر لعدم التقدم. واعلم ان الاستعمال على ان ضمير الشأن انما يؤنث إذا كان في الكلام مؤنث غير فضلة، فقوله هي زيد عالم مجرد قياس ثم علل وضع المضمر موضع المظهر في البابين بقوله (ليتمكن ما يعقبه) أي يعقب الضمير أي يجئ على عقبه (في ذهن السامع لانه) أي السامع (إذا لم يفهم منه) أي من الضمير (معنى انتظره) أي انتظر السامع ما يعقب الضمير ليفهم منه معنى فيتمكن بعد وروده فضل تمكن لان المحصول بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب. ولا يخفى ان هذا لا يحسن في باب نعم لان السامع ما لم يسمع المفسر لم يعلم ان فيه ضميرا فلا يتحقق فيه التشوق والانتظار (وقد يعكس) وضع المضمر موضع المظهر أي يوضع المظهر موضع المضمر (فان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (اسم اشارة فلكمال العناية بتمييزه) أي تمييز المسند إليه (لا ختصاصه بحكم بديع) كقوله (كم عاقل عاقل) هو وصف عاقل الاول بمعنى كامل العقل متناه فيه (اعيت) أي اعيته واعجزته أو اعيت عليه وصعبت (مذاهبه) أي طرق معاشه.
Shafi 75