(وإذا قد صرح الائمة بتخصيصه حيث تأولوه بما اهر ذا ناب الا شرا فالوجه) أي وجه الجمع بين قولهم بتخصيصه وقولنا بالمانع من التخصيص (تفظيع شان الشربه بتنكيره) أي جعل التنكير للتعظيم والتهويل ليكون المعنى شر عظيم فظيع اهر ذا ناب لاشر حقير، فيكون تخصيصا نوعيا، والمانع، انما كان من تخصيص الجنس أو الواحد. (وفيه) أي فيما ذهب إليه السكاكى (نظر إذ الفاعل اللفظى والمعنوي) كالتأكيد والبدل (سواء في امتناع التقديم ما بقيا على حالهما) أي ما دام الفاعل فاعلا والتابع تابعا بل امتناع تقديم التابع اولى. (فتجويز تقديم المعنوي دون اللفظ تحكم) وكذا تجويز الفسخ في التابع دون الفاعل تحكم لان متناع تقديم الفاعل هو انما كونه فاعلا والا فلا امتناع في ان يقال: في نحو زيد قام انه كان في الاصل قام زيد فقدم زيد وجعل مبتدأ. كما يقال في جرد قطيفة ان جردا كان في الاصل، صفة، فقدم وجعل مضافا، وامتناع تقديم التابع حال كونه تابعا مما اجمع عليه النحاة الا في ضرورة الشعر، فمنع هذا مكابرة والقول بان في حالة تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ: يلزم خلو الفعل عن الفاعل وهو محال بخلاف الخلو عن التابع فاسد، لان هذا اعتبار محض. (ثم لا نسلم انتفاء التخصيص) في نحو رجل جاءني (لو لا تقدير التقديم لحصوله) أي التخصيص (بغيره) أي بغير تقديم التقديم (كما ذكره) السكاكى من التهويل وغيره كالتحقير والتكثير والتقليل. والسكاكى وان لم يصرح بان لاسبب للتخصيص سواه لكن لزم ذلك من كلامه حيث قال انما يرتكب ذلك الوجه البعيد عند المنكر لفوات شرط الابتداء. ومن العجائب ان السكاكى انما ارتكب في مثل رجل جاءني ذلك الوجه البعيد لئلا يكون المبتدأ نكرة محضة. وبعضهم يزعم انه عند السكاكى بدل مقدم لا مبتدأ وان الجملة فعلية لا اسمية. ويتمسك في ذلك بتلويحات بعيدة من كلام السكاكى وبما وقع من السهو للشارح العلامة في مثل زيد قام وعمرو قعد ان المرفوع يحتمل ان يكون بدلا مقدما ولا يلتفت إلى تصريحاتهم بامتناع تقديم التوابع حتى قال الشارح العلامة في هذا المقام ان الفاعل هو الذى لا يتقدم بوجه ما. واما التوابع فتحتمل التقديم على طريق الفسخ وهو ان يفسخ كونه تابعا ويقدم، واما لا على طريق الفسخ فيمتنع تقديمها ايضا لاستحالة تقديم التابع على المتبوع من حيث هو تابع فافهم، (ثم لا نسلم امتناع ان يراد المهر شر لا خير) كيف وقد قال الشيخ عبد القاهر قدم شر لا المعنى ان الذى اهره من جنس الشر لا من جنس الخير. (ثم قال) السكاكى (ويقرب من) قبيل (هو قام زيد قائم في التقوى لتضمنه) أي لتضمن قائم (الضمير) مثل قام فيحصل للحكم تقوى (وشبهه) أي شبه السكاكى مثل قائم المتضمن للضمير (بالخالى عنه) أي عن الضمير من جهة (عدم تغيره في التكلم والخطاب والغيبة) نحو انا قائم وانت قائم وهو قائم كما لا يتغير الخالى عن الضمير نحو انا رجل وانت رجل وهو رجل. وبهذا الاعتبار قال يقرب ولم يقل نظيره، وفى بعض النسخ وشبهه بلفظ الاسم مجرورا عطفا على تضمنه يعنى ان قوله يقرب مشعر بان فيه شيءا من التقوى وليس مثل التقوى في زيد قام فالاول لتضمنه الضمير والثانى لشبهه بالخالى عن الضمير. (ولهذا) أي ولشبهه بالخالى عن الضمير (لم يحكم بانه) أي مثل قائم مع الضمير وكذا مع فاعله الظاهر ايضا (جملة ولا عومل) قائم مع الضمير (معاملتها) أي معاملة الجملة (في البناء) حيث اعرب في مثل رجل قائم ورجل قائم. (ومما يرى تقديمه) أي من المسند إليه الذى يرى تقديمه على المسند (كاللازم لفظ مثل وغير) إذا استعملا على سبيلا الكناية (في نحو مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود بمعنى انت لا تبخل وانت تجود من غير ارادة تعريض بغير المخاطب) بان يراد بالمثل والغير انسان آخر مماثل للمخاطب أو غير مماثل بل المراد نفى البخل عنه على طريق الكناية، لانه إذا نفى عمن كان على صفته من غير قصد إلى مماثل، لزم نفيه عنه، واثبات الجود له بنفيه عن غيره، مع اقتضائه محلا يقوم به. وانما يرى التقديم في مثل هذه الصورة كاللازم (لكونه) أي التقديم (اعون على المراد بهما) ان بهذين التركيبين لان الغرض منهما اثبات الحكم بطريق الكناية التى هي ابلغ من التصريح والتقديم لافادته التقوى اعون على ذلك وليس معنى قوله كاللازم انه قد يقدم وقد لا يقدم بل المراد انه كان مقتضى القياس ان يجوز التأخير لكن لم يرد الاستعمال الا على التقديم كما نص عليه الشيخ في دلائل الاعجاز. (قيل وقد يقدم) المسند إليه المعسور بكل على المسند المقرون بحرف النفى (لانه) إلى التقديم (دال على العموم) أي على نفى الحكم عن كل فرد من افراد ما اضيف إليه لفظ كل (نحو كل انسان لم يقم) فانه يفيد نفى القيام عن كل واحد من افراد الانسان (بخلاف ما لو اخر نحو لم يقم كل انسان فانه يفيد نفى الحكم عن جملة الافراد لا عن كل فرد) فالتقديم يفيد عموم السلب وشمول النفى والتاخير لا يفيد الا سلب العموم ونفى الشمول. وذلك أي كون التقديم مفيدا للعموم دون التأخير (لئلا يلزم ترجيح التأكيد) وهو ان يكون لفظ كل لتقرير المعنى الحاصل قبله (على التأسيس) وهو ان يكون لافادة معنى جديد مع ان التأسيس راجح لان الافادة خير من الاعادة. وبيان لزوم ترجيح التأكيد على التأسيس اما في صورة التقديم فلان قولنا انسان لم يقم موجبة مهملة اما الايجاب فلانه حكم فيها بثبوت عدم القيام لانسان لا بنفي القيام عنه لان حرف السلب وقع جزأ من المحمول. واما الاهمال فلانه لم يذكر فيها ما يدل على كمية افراد الموضوع مع ان الحكم فيها على ما صدق عليه الانسان وإذا كان انسان لم يقم موجبة مهملة يجب ان يكون معناه نفى القيام عن جملة الافراد، لاعن كل فرد (لان الموجبة المهملة المعدولة المحمولة في قوة السالبة الجزئية) عند وجود الموضوع نحو لم يقم بعض الانسان بمعنى انهما متلازمان في الصدق، لانه قد حكم في المهملة بنفي القيام عما صدق عليه الانسان اعم من انه يكون جميع الافراد أو بعضها وايا ما كان يصدق نفى القيام عن البعض وكلما صدق نفى القيام عن البعض صدق نفيه عما صدق عليه الانسان في الجملة فهى في قوة السالبة الجزئية (المستلزمة نفى الحكم عن الجملة) لان صدق السالبة الجزئية الموجودة الموضوع اما بنفى الحكم عن كل فرد أو نفيه عن البعض مع ثبوته للبعض. وايا ما كان يلزمها نفى الحكم عن جملة الافراد (دون كل فرد) لجواز ان يكون منفيا عن البعض ثابتا للبعض الاخر وإذا كان انسان لم يقم بدون كل معناه نفى القيام عن جملة الافراد لا عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا معناه كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى الحكم عن كل فرد ليكون كل لتأسيس معنى آخر ترجيحا للتأسيس على التأكيد. واما في صورة التأخير فلان قولنا لم يقم انسان سالبة مهملة لا سور فيها (والسالبة المهملة في قولة السالبة الكلية المقتضية للنفي عن كل فرد) نحو لا شئ من الانسان بقائم ولما كان هذا مخالفا لما عندهم من ان المهملة في قوة الجزئية بينه بقوله (لورود موضوعها) أي موضوع المهملة (في سياق النفى) حال كونه نكرة غير مصدرة بلفظ كل فانه يفيد نفى الحكم عن كل فرد وإذا كان لم يقم انسان بدون كل معناه نفى القيام عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى القيام عن جملة الافراد ليكون كل لتأسيس معنى آخر. وذلك لان لفظ كل في هذا المقام لا يفيد الا احد هذين المعنين فعند انتفاء احدهما يثبت الاخر ضرورة. والحاصل ان التقديم بدون كل لسلب العموم ونفى الشمول والتأخير لعموم السلب وشمول النفى، فبعد دخول كل، يجب ان يعكس هذا، ليكون كل للتأسيس الراجح دون التأكيد المرجوح. (وفيه نظر لان النفى عن الجملة في الصورة الاولى) يعنى الموجبة المهملة المعدولة المحمول نحو انسان لم يقم (وعن كل فرد في) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (انما افاده الاسناد إلى ما اضيف إليه كل) وهو لفظ انسان. (وقد زال ذلك) الاسناد المفيد لهذا المعنى (بالاسناد إليها) أي إلى كل لان انسانا صار مضافا إليه فلم يبق مسندا إليه (فيكون) أي على تقدير ان يكون الاسناد إلى كل ايضا، مفيدا للمعنى الحاصل من الاسناد إلى انسان يكون كل (تأسيسا لا تأكيدا) لان التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر وهذا ليس كذلك لان هذا المعنى حينئذ انما افاده الاسناد إلى لفظ كل لا شئ آخر حتى يكون كل تأكيدا له. وحاصل هذا الكلام انا لا نسلم انه لو حمل الكلام بعد دخول كل على المعنى الذى حمل عليه قبل كل كان كل للتأكيد. ولا يخفى ان هذا انما يصح على تقدير ان يراد به التأكيد الاصطلاحي اما لو اريد بذلك ان يكون كل لافادة معنى كل حاصلا بدونه، فاندفاع المنع ظاهر وحينئذ يتوجه ما اشار إليه بقوله (ولان) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (إذا افادت النفى عن كل فرد فقد افادت النفى عن الجملة فإذا حملت) كل (على الثاني) أي على افادة النفى عن جملة الافراد حتى يكون معنى لم يقم كل انسان نفى القيام عن الجملة لا عن كل فرد (لا يكون) كل (تأسيسا) بل تأكيدا، لان هذا المعنى كان حاصلا بدونه، وحينئذ فلو جعلنا لم يقم كل انسان لعموم السلب مثل لم يقم انسان لم يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس إذ لا تأسيس اصلا بل انما لزم ترجيح احد التأكيدين على الاخر. وما يقال ان دلالة لم يقم انسان على النفى عن الجملة بطريق الالتزام ودلالة لم يقم كل انسان عليه بطريق المطابقة فلا يكون تأكيدا.
Shafi 72