وجاهل تلقاه مرزوقا * هذا الذى ترك الاوهام حائرة وصير العالم النحرير) أي المنقن من نحر الامور علما اتقنها (زنديقا) كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم، فقوله هذا اشارة إلى حكم سابق غير محسوس وهو كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا فكان القياس فيه الاضمار فعدل إلى اسم الاشارة لكمال العناية بتمييزه ليرى السامعين ان هذا الشئ المتميز المتعين هو الذى له الحكم العجيب وهو جعل الاوهام حائرة والعالم النحرير زنديقا فالحكم البديع هو الذى اثبت للمسند إليه المعبر عنه باسم الاشارة (أو التهكم) عطف على كمال العناية (بالسامع كما إذا كان) السامع (فاقد البصر) أو لا يكون ثمة مشار إليه اصلا (أو النداء على كمال بلادته) أي بلادة السامع بانه لا يدرك غير المحسوس (أو) على كمال (فطانته) بان غير المحسوس عنده بمنزلة المحسوس (أو ادعاء كمال ظهوره) أي ظهور المسند إليه. (وعليه) أي على وضع اسم الاشارة موضع المضمر لادعاء كمال الظهور (من غير هذا الباب) أي باب المسند إليه (تعاللت) أي اظهرت العلة والمرض (كى اشجى) أي احزن من شجى بالكسر أي صار حزينا لا من شجى العظم بمعنى نشب في حلقه (وما بك علة، تريدين قتلى قد ظفرت بذلك) أي بقتلى كان مقتضى الظاهر (ان يقول به لانه ليس) بمحسوس فعدل إلى ذلك اشارة إلى ان قتله قد ظهر ظهور المحسوس (وان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (غيره) أي غير اسم الاشارة (فلزيادة التمكن) أي جعل المسند إليه متمكنا عند السامع (نحو قل هو الله احد، الله الصمد) أي الذى يصمد إليه ويقصد في الحوائج لم يقل هو الصمد لزيادة التمكن. (ونظيره) أي نظير [قل هو الله احد الله الصمد] في وضع المظهر موضع المضمر لزيادة التمكن (من غيره) أي من غير باب المسند إليه. (وبالحق) أي بالحكمة المقتضية للانزال (انزلناه) أي القرآن (وبالحق نزل) حيث لم يقل وبه نزل (أو ادخال الروع) عطف على زيادة التمكن (في ضمير السامع وتربية المهابة) عنده وهذا كالتأكيد لادخال الروع (أو تقوية داعى المأمور، ومثالهما) أي مثال التقوية وادخال الروع مع التربية (قول الخلفاء امير المؤمنين يأمرك بكذا) مكانا انا آمرك. (وعليه) أي على وضع المظهر موضع المضمر لتقوية داعى المأمور (من غيره) أي من غير باب المسند إليه (فإذا عزمت فتوكل على الله) لم يقل على لما في لفظ الله من تقوية الداعي إلى التوكل عليه لدلالته على ذات موصوفة بالاوصاف الكاملة من القدر الباهرة وغيرها (أو الاستعطاف) أي طلب العطف والرحمة (كقوله: الهى عبدك العاصى اتاكا * مقرا بالذنوب وقد دعاكا لم يقل لنا لما في لفظ عبدك العاصى من التخضع واستحقاق الرحمة وترقب الشفقة. (قال السكاكى هذا) اعني نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة (غير مختص بالمسند إليه ولا) النقل مطلقا مختص (بهذا القدر) أي بان يكون عن الحكاية إلى الغيبة ولا يخلو العبارة عن تسامح (بل كل من التكلم والخطاب والغيبة مطلقا) أي وسواء كان في المسند أو غيره وسواه كان كل منها واردة في الكلام أو كان مقتضى الظاهر ايراده (ينقل إلى الاخر) فتصير الاقسام ستة حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين ولفظ مطلقا ليس في عبارة السكاكى لكنه مراده بحسب ما علم من مذهبه في الالتفات بالنظر إلى الامثلة. (ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا) مأخذوا من التفات الانسان عن يمينه إلى شماله أو بالعكس (كقوله) أي قول امرئ القيس (تقاول ليلك) خطاب لنفسه التفاتا ومقتضى الظاهر ليلى (بالاثمد) بفتح الهمزة وضم الميم اسم موضع. (والمشهور) عند الجمهور (ان الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من) الطرق (الثلاثة) التكلم والخطاب والغيبة (بعد التعبير عنه) أي عن ذلك المعنى (باخر منها) أي بطريق آخر من الطرق الثلاثة بشرط أي يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع ولابد من هذا القيد ليخرج مثل قولنا انا زيد وانت اعمر ونحن اللذون صبحوا الصباحا، ومثل قوله تعالى [واياك نستعين، واهدنا، وانعمت] فان الالتفات انما هو في اياك نعبد والباقى جار على اسلوبه ومن زعم ان في مثل يا ايها الذين آمنوا التفاتا والقياس آمنتم فقد سها على ما يشهد به كتب النحو. (وهذا) أي الالتفات بتفسير الجمهور (اخص منه) بتفسير السكاكى لان النقل عنده اعم من ان يكون قد عبر عنه بطريق من الطرق ثم بطريق آخر أو يكون مقتضى الظاهر ان يعبر عنه بطريق منها فترك وعدل إلى طريق آخر فيتحقق الالتفات بتعبير واحد وعند الجمهور مخصوص بالاول حتى لا يتحقق الالتفات بتعبير واحد فكل التفات عندهم التفات عنده من غير عكس كما في تطاول ليلك. (مثال التفات من التكلم إلى الخطاب ومالى لا اعبد الذى فطرني واليه ترجعون) ومقتضى الظاهر ارجع والتحقيق ان المراد مالكم لا تعبدون، ولكن لما عبر عنهم طريق التكلم كان مقتضى ظاهر السوق اجراء باقى الكلام على ذلك الطريق فعدل عنه إلى طريق الخطاب فيكون التفاتا على المذهبين. (و) مثال الالتفات من التكلم (إلى الغيبة انا اعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر،) ومقتضى الظاهر لنا (و) مثال الالتفات (من الخطاب إلى التكلم) قول الشاعر (طحا) أي ذهب (بك قلب في الحسان طروب) ومعنى طروب في الحسان ان له طربا في طلب الحسان ونشاطا في مراودتها (بعيد الشباب) تصغير بعد للقرب أي حين ولى الشباب وكاد ينصرم (عصر) ظرف زمان مضاف إلى الجملة الفعلية اعني قوله (حان) أي قريب (مشيب، يكلفني ليلى) فيه التفات من الخطاب في بك الا التكلم. ومقتضى الظاهر يكلفك وفاعل يكلفني ضمير عائد إلى القلب وليلى مفعوله الثاني والمعنى يطالبني القلب بوصل ليلى . وروى تكلفني بالتاء الفوقانية على انه مسند إلى ليلى والمفعول محذوف أي شدائد فراقها أو على انه خطاب للقلب فيكون التفاتا آخر من الغيبة إلى الخطاب (وقد شط) أي بعد (وليها) أي قربها (وعادت عواد بيننا وخطوب) قال المرزوقى عادت يجوز ان يكون فاعلت من المعاداة كل الصوارف والخطوب صارت تعاديه ويجوز ان يكون من عاد يعود أي عادت عواد وعوائق كانت تحول بيننا إلى ما كانت عليه قبل. (و) مثال الالتفات من الخطاب (إلى الغيبة) قوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) والقياس بكم (و) مثال الالتفات (من الغيبة إلى التكلم) قوله تعالى (الله الذى ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه) ومقتضى الظاهر فساقه أي ساق الله ذلك السحاب اجراه إلى بلد ميت. (و) مثال الالتفات من الغيبة (إلى الخطاب) قوله تعالى (مالك يوم الدين اياك نعبد) ومقتضى الظاهر اياه (ووجهه) أي وجه حسن الالتفات (ان الكلام إذا نقل من اسلوب إلى اسلوب آخر كان) ذلك الكلام (احسن تطرية) أي تجديدا واحداثا من طريت الثوب (لنشاط السامع وكان اكثر ايقاظا للاصغاء إليه) أي إلى ذلك الكلام لان لكل جديد لذة، وهذا وجه حسن الالتفات على الاطلاق. (وقد يختص مواقعه بلطائف) غير هذا الوجه العام (كما في) سورة (الفاتحة فان العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد) ذلك العبد (من نفسه محركا للاقبال عليه) أي على ذلك الحقيقي بالحمد (وكلما اجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك إلى ان يؤل الامر إلى خاتمتها) أي خاتمة تلك الصفات يعنى مالك يوم الدين (المفيد انه) أي ذلك الحقيق بالحمد (مالك الامر كله في يوم الجزاء) لانه اضيف مالك إلى يوم الدين على طريق الاتساع والمعنى على الظرفية أي مالك في يوم الدين والمفعول محذوف دلالة على التعميم. (فحينئذ يوجب) ذلك المحرك لتناهيه في القوة (الاقبال عليه) أي اقبال العبد على ذلك الحقيق، بالحمد (والخطاب بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات) فالياء في بتخصيصه متعلق بالخطاب يقال : خاطبته بالدعاء إذا دعوت له مواجهة. وغاية المخضوع: هو معنى العبادة وعموم المهمات مستفاد من حذف مفعول نستعين والتخصيص مستفاد من تقديم المفعول فاللطيفة المختص بها موقع هذا الالتفات، هي: ان فيه تنبيها على ان العبد إذا اخذ في القراءة يجب ان يكون قراءته على وجه يجد من نفسه ذلك المحرك. ولما انجر الكلام إلى ذكر خلاف مقتضى الظاهر، اورد عدة اقسام: منه وان لم تكن من مباحث المسند إليه، فقال (ومن خلاف المقتضى) أي مقتضى الظاهر (تلقى المخاطب) من اضابة المصدر إلى المفعول أي تلقى المتكلم للمخاطب (بغير ما يترقب) المخاطب (بحمل كلامه). والباء في بغير للتعدية وفى بحمل كلام للسببية أي انما تلقاه بغير ما يترقبه بسبب انه حمل كلامه أي الكلام الصادر عن المخاطب (على خلاف مراده) أي مراد المخاطب، وانما حمل كلامه على خلاف مراده (تنبيها) للمخاطب (على انه) أي ذلك الغير هو (الاولى بالقصد) والاردة. (كقوله القبعثرى للحجاج وقد قال) الحجاج (له) أي للقبعثرى حال كون الحجاج (متوعدا) اياه (لاحملنك على الادهم) يعني القيد، هذا مقول قول الحجاج (مثل الامير يحمل على الادهم والاشهب) هذا مقول قول القبعثرى فابرز وعيد الحجاج في معرض الوعد وتلقاه بغير ما يتقرب بان حمل الادهم في كلامه على الفرس الادهم أي الذى غلب سواده حتى ذهب البياض الذى فيه وضم إليه الاشهب أي الذى غلب بياضه حتى ذهب سواده. ومراده الحجاج انما هو القيد فنبه على ان الحمل على الفرس الادهم، هو الاولى بان يقصده الامير (أي من كان مثل الامير في السلطان) أي الغلبة (وبسطة اليد) أي الكرم والمال والنعمة (فجدير بان يصفد) أي يعطى من اصفده (لا ان يصفد) أي يقيده من صفده (أو السائل) عطف على المخاطب أي تلقى السائل (بغير ما يطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره) أي منزلة غير ذلك السؤال (تنبيها) للسائل (على انه) أي ذلك الغير (هو الاولى بحاله أو المهم له كقوله تعالى يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سألوا عن سبب اختلاف القمر في زيادة النور ونقصانه، فاجيبوا ببيان الغرض من هذا الاختلاف وهو ان الاهلة بحسب ذلك الاختلاف معالم يوقت بها الناس امورهم من المزارع والمتاجر ومحال الديون والصوم وغير ذلك ومعالم للحج يعرف بها وقته. وذلك للتنبيه على ان الاول والاليق بحالهم ان يسألوا عن ذلك لانهم ليسوا ممن يطلعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ولا يتعلق لهم به غرض (وكقوله تعالى يسئلونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) سألوا عن بيان ماذا ينفقون فاجيبوا ببيان المصارف تنبيها على ان المهم هو السؤال عنها لان النفقة لا يتعد بها الا ان تقع موقعها. (ومنه) أي من خلاف مقتضى الظاهر (التعبير عن) المعنى (المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه نحو قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض) بمعنى يصعق. (ومثله) التعبير عن المقصود المستقبل بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى وان الدين لواقع) مكان يقع (ونحوه) التعبير عن المستقبل بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس) مكان يجمع وههنا بحث وهو ان كلا من اسمى الفاعل والمفعول قد يكون بمعنى الاستقبال وان لم يكن ذلك بحسب اصل الوضع فيكون كل منهما ههنا واقعا في موقعه واردا على حسب مقتضى الظاهر. والجواب ان كلا منهما حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازا تنبيها على تحقق وقوعه. (ومنه) أي من خلاف مقتضى الظاهر (القلب) وهو ان يجعل احد اجزاء الكلام مكان الاخر والاخر مكانه (عرضت الناقة على الحوض) أي اظهرته عليها لتشرب (وقلبه) أي القلب السكاكي مطلقا) وقال انه مما يورث الكلام ملاحة. (ورده غيره) أي غير السكاكي (مطلقا) لانه عكس المطلوب ونقيض المقصود (والحق انه ان تضمن اعتبار لطيفا) غير الملاحة التى اورثها نفس القلب (قبل كقوله ومهمه) أي مفازة (مغبرة أي مملوكة بالغبرة ارجاؤه،) أي اطرافه ونواحيه جمع الرجى مقصورا (كان لو ارضه سماؤه) على حذف المضاف (أي لونها) يعنى لون السماء فالمصراع الاخير من باب القلب والمعنى كأن لون سمائه لغبرتها لون ارضه. والاعتبار اللطيف هو المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى كأنه صار بحيث يشبه به لون الارض في ذلك مع ان الارض اصل فيه (والا) أي وان لم يتضمن اعتبار لطيفا (رد) لانه عدول عن مقتضى الظاهر من غير نكتة يعتد بها (كقوله) فلما ان جرى سمن عليها (كما طينت بالفدن) اي بالقصر (السياعا) اي الطين بالتبن والمعنى كما طينت الفدن بالسياع يقال طينت السطح والبيت. ولقائل ان يقول: انه يتضمن من المبالغة في وصف الناقة بالسمن مالا يتضمنه قوله كما طينت الفدن بالسياع لا يهامه ان السياع قد بلغ مبلغا من العظم والكثرة إلى ان صار بمنزلة الاصل والفدن بالنسبة إليه كالسباع بالنسبة إلى الفدن.
Shafi 82