في الصيام وفرائض الصيام العلم بالشهر، والنية للصوم، والإمساك عن الطعام والشراب، والإمساك عن الجماع في الصوم، واستكمال طرق الشهر المفترض صومه، ثم يجتنب ما يفسد الصوم، فإنه بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »من لم يدع المناكر وقول الزور« أو قال: »عمل المعاصي« الشك مني في إحدى الروايتين في الخبر »فليس لله حاجة أن يدع له طعامه وشرابه« فكل فعل المناكر وقول الزور يفسد الصوم، وهذا يشتمل على كثير من ذلك، ألا ترى أن الكذب والغيبة يفطرن الصائم؟ لأن ذلك من قول الزور والمعاصي المحرمة، وكل محرم أو قول زور أو فعل فجور من المناكر ينقض الصوم، ومن أساغ شيئا في حلقه متعمدا، أو أكل متعمدا أو شرب متعمدا، أو جامع متعمدا، أو اشتهى امرأة حتى قذف الجنابة متعمدا، على النهي في الصوم وهدمه لذلك فقد أفسد صومه، وعليه بدل الشهر والكفارة صوم شهرين، ومن كذب أو اغتاب مسلما أو قذف محصنا أو مؤمنا أو شتم المؤمنين ينقض عليه صومه في ذلك اليوم، وأحب أنه إن نظر المحارم أو عمل المعاصي مثله ينقض صوم يومه مثل ذلك، ومن تقيأ أو استعط* أو قطر في أذنيه، انتقض صوم يومه ويبدل صوم يومه، وإن احتقن في دبره، أو رد قيئه متعمدا أفسد عليه ما مضى من صومه، وقيل في الذي تقيأ ثم رده عامدا، إن عليه الكفارة، ومن خاف على نفسه من العطش فشرب بقدر ما يحيي به نفسه، أبدل يومه، وإن تعمد فزاد على أكثر ما يحييه فسد صومه، وعليه الكفارة، وإن تعمد وأفطر بعدما شرب ما يحييه، كان آثما مع البدل والكفارة، ومن عبث بذكره حتى أمنى متعمدا لزمه البدل والكفارة، وإن غلبه القيء فلا شيء عليه ما لم يرجع، ومن نسى فأكل أو شرب أو جامع أبدل يومه ذلك، لنه لم يتعمد*، ومن توضأ لنافلة أو توضأ لفريضة قبل وقتها، فدخل الماء في حلقه، أبدل يومه، وإن توضأ لصلاة الفريضة وقد دنا وقتها فلا بلد عليه إذا دخل الماء في حلقه، حتى يتعمد، ومن أصابته الجنابة في النهار فقام غسل من حينه فلا بدل عليه، وإن توانى لشيء غير أمر غسله انتقض عليه ما مضى من صومه، لإهماله الغسل وتوانيه عنه بغيره، وإن كان توانيه لثوب يأخذه أو ماء يسخن له إن كان بردا شديدا، أو تخطى إلى مورد هو أسخن وأستر فهو في أمر الغسل، ولا فساد عليه في صومه، وإن تلكم وهو مار أو رد السلام فلا بدل عليه، وإن توانى لحديث وقد عن الغسل بالكلام، أو صافح أحدا باليدين فسد عليه ما مضى من صومه، وإن إصابته الجنابة في الليل فنام بعد أن علم بها حتى أصبح ، فسد عليه ما مضى من صومه، وإن نام على أنه يقوم قبل الصبح فذهب به النوم حتى أصبح، أبدل يومه، وإن قام في الليل فأدركه الصبح قبل أن يغسل أبدل يومه إذا لم يتوان، لأن الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: »من أصبح جنبا أصبح مفطرا«، ومن أصابه المذي فلا شيء عليه، ومن قبل امرأته فلا نقض عليه، ويكره له أن يوسخ صومه، ومن خرجت منه جنابة على غير عمد فغسل من حينه فلا شيء عليه، وفيها قول غير هذا، وجائز للصائم أن يكيل الدقيق وسقي التراب، ويذوق الشيء، ليعرف حلوه من مالحه، ونحو هذا، فلا فساد عليه في صومه، إذا لم يسغه مع الرقيق في حلقه، إذا ذاق الشيء، وأحب أن يلف على فيه بثوب عند سقي التراب وكيل الدقيق، ومن دخل في حلقه ذباب أو دابة أو نحوها على حد الغلبة فلا نقض عليه، وإن تعمد فلا تأمن عليه الكفارة، والمريض إذا لم يقدر على الصيام ولم يقدر يأكل ما يبلغه إلى الليل وخاف زيادة العلة في الصوم، واحتاج إلى معالجة الدواء، فله أن يفطر ويقضي إذا صح، ويؤمر بالتعجيل في البدل، وإذا أراد أن يفطر نوى الإفطار من الليل، فإن أفطر في النهار بلا نية في الليل فسد عليه ما مضى من صومه، إلا أن يأتي عليه حالة يخاف عليه الهلاك على نفسه فله أن يفطر ولو لم ينو الإفطار من الليل، وإذا صار لا يطلب شيئا ولا يتكلم فجائز للقائم به النظر في حاله، ولا يتركه يهلك جوعا وعطشا، والله أعلم، وإن مات من مرضه فلا شيء عليه، ولا على ورثته من البدل، إلا أن يوصي بذلك، فهو من ماله، وعليهم أن يصوموا عنه، والمريض على إفطاره حتى يقوى على الصيام، وإن صح وبقي صحيحا بعد شهر رمضان ثم مات بعد ذلك فعليه القضاء، ويوصي به، ويقضى عنه إذا أوصى به، والمرأة الحالم التي تخاف على ولدها فلها أن تفطر وتقضي ذلك، والمرضع إذا خافت على ولدها يهلك بالجوع ويذهب لبنها فلها أن تفطر وتقضي، وإن أدرك المريض والمرضع والحامل شهر رمضان الثاني ولم يقضوا بدل الشهر الأول، فإنهم يصومون الشهر الذي حضر ويطعمون عن الماضي كل يوم مسكينا، وإذا انقضى شهر رمضان الذي هم فيه أبدلوا الأول أيضا، وإن دام المريض على مرضه في الشهر الثاني فلا طعم* عليه كذلك، وإن صح بعد ذلك صام عن الأول ثم الثاني، ولا طعم عليه، وكذلك كل من لزمه الصوم فلم يبدله حتى يحضر الشهر الثاني، فإنه يصوم الذي حضر ويطعم عن الماضي، والمسافر جائر له الإفطار في سفره، إذا خرج مسافرا سفرا يتعدى فيه فرسخين، فهو مسافر وله أن يفطر، والمسافر إذا أراد أن يفطر نوى الإفطار من الليل وأصبح على الإفطار، وإن أفطر المسافر من غير نية في الليل في السفر فسد عليه ما مضى من صومه، وإن هو نوى السفر ونوى الإفطار وأن يصبح مفطرا، ولم يخرج حتى أصبح فإنه يفسد عليه ما مضى من صومه، حيث أصبح في البلد على نية الإفطار، وليس له أن ينوي الإفطار حتى يخرج من عمران بلده قبل الصبح، ولا يفطر في البلد، وإن أفطر المسافر في سفره ثم رجع إلى بلده، ثم سافر ثم أفطر جاز له، وإنما عليه ما أفطر ولو سافر مرارا في شهر رمضان، وإذا أفطر في سفره ثم صام في سفره ثم أفطر في سفره كان عليه بدل ما أفطر وما صم في سفره الذي أعقبه الإفطار في السفر، لأنه قيل كل صوم في السفر بين قطرين فهو منتقض، وإن أفطر في السفر ثم صام في السفر حتى أتم الشهر، لم يلزمه إلا بدل ما أفطر، لأن صومه لم يعقبه إفطار، وقد تركت الاختلاف في هذا المعنى، وإن أفطر المسافر ثم مات في سفره لم يلزمه شيء، وإن رجع من سفره ثم مات كان عليه بدل ما أفطره، ولو كان شيئا من الأيام التي أفطر فيها كان عليه البدل في ذلك ، وعليه أن يوصي به، وعلى ورثته أن يصوموا عنه كل واحد منهم بقدر ميراثه منه، وإن أوصى عليهم أطعموا عنه من ماله فجائز، وإن لم يوص لم يحكم عليهم ويصومون صوما متتابعا، فإن فسد على أحدهم صومه انتقض صومه وصوم من صام قبله لأنه صوم واحد، وإن رغب واحد من الورثة فصام عنه فجائز ذلك لهم، ومن كبر عن الصيام وأطعم عنه إذا لم يقدر أو يصام عنه، وفيه قول أنه إذا لم يطق الصوم فلا يلزمه شيء، ومن صام من الصبيان برأيه أو برأي أبيه فجائز، وإن فطره أحد من أرحامه بعد أن صام لزم ذلك الذي فطره وأطعم عنه، وإذا بلغ الصبي في شهر رمضان ولم يكن صائما فإن عليه أن يصوم ما يبقى، ويبدل ما مضى من ذلك، لأنه فرض واحد، وكذلك المشرك عليه البدل إذا أسلم لأنه فرض واحد -وتركت الاختلاف- وقيل في امرأة عادة أيام حضيها فجاءها الحيض ثلاثة أيام أو ستة أيام، فتركت الصلاة والصوم ثم طهرت فلم تصل ولم تصم إلى تمام الست، فقيل في ذلك اختلاف قول عليها بدل ما أفطرت وبدل صيامها، وقول عليها بدل ما مضى من صومنها وبدل صلاتها، وذلك إذا لم يراجعها الدم إلى تمام الست، فإن راجعها قبل انقضاء أيام حيضها في الست فليس عليها بدل إلا ما أفطرت، والحائض تفطر أيام حضيها وتقضي إذا طهرت وتؤمر بتعجيل القضاء، وكذلك كل من أفطر لعلة من ذلك، وإن أخر فعدة من أيام أخر غير محدودة، وتؤمر الحائض ألا تأكل يومها إذا جاءها الحيض وتمسك عن الأكل بقية يومها إذا طهرت واغتسلت من الحيض، وإن أكلت لم يلزمها شيء لأن ذلك يوم عليها بدله، وكذلك المسافر يؤمر ألا يأكل في بلده بقية يومه، وإن أكل لم يلزمه شيء، لأن ذلك يوم عليه بدله، وقيل كذلك المريض إذا قوي على الصوم أن يمسك بقية يومه، وإن كان قد أفطر، والله أعلم، وقيل إن الحاكم الذي هو ثابت حكمه على الرعية إذا قال إنه قد صح عنده هلال شهر كذا ليلة كذا كان قوله حجة على رعيته، إذا حكم بصحته كان من طريق شهرة لا ترد، أو شهادة عدول، أو معاينة تثبت حجته على رعيته، ولزوم حج أو إفطار أو صيام على ما عرفناه من آثار المسلمين ولم يجز لهم خلافه، وقيل إذا كان في يوم الشك غيم، فالمستحب صيامه، وإن كانت السماء نقية فيمسك فيه، إلى الوقت الذي جاء به الأثر، وقول: إن الصحو والسحاب واحد ولا بأس بإفطاره، ويكره صوم يوم الشك إلا لمن كان يصوم من قبل، وقد جاء الحديث: »صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته فإذا غمى عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما«، ويؤمر الناس بالإمساك عن الأكل في يوم الشك إلى وقت الضحى، فإن صح الخبر أتموا الصيام وإن لم يصح الخبر أفطروا، ويصام بقول واحد أو بشهرة لا تدفع، وهو تواتر الأخبار وارتفاع الريب، ولا يفطر إلا بشاهدي عدل إن لم يكن صاموا برؤية أو شهرة، والشهرة في تواتر الخبر، وانتشار الناس من المخرج، وقد قيل في الحديث: »إنه أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة اثنين على الصوم والإفطار« وليس لهم أن يفطروا بقول واجد، إذا صاموا بقول شاهد واحد عدل صاموا ثلاثين يوما غير اليوم الذي شهد به العدل، إن لم يكن رؤية أو شهرة، »وإن أفطروا على الثلاثين يقول واحد أفطروا بشهادة واحد« ومن أكل يوم الشك ثم صح الخبر فعليه أن يمسك عن الأكل، وإن تعمد بعد الصحة على الأكل فعليه الكفارة، ومن صام يوم الشك ثم صح الخبر في ذلك اليوم، فقد قيل يتم له صومه، وقال آخرون يبدل لأنه صامه على الشك، وإن صح في الشهر فعليه البدل في ذلك القول، لأنه صامه في الشك، وإن صح الخبر بعد انقضاء الشهر وقد خرج من الفريضة لم يلزمه البدل، وقد قيل يبدله على كل حال، لأنه صامه على الشك، والذي انتظر من يوم الشك ثم صح الخبر وأتم الصيام، قالوا لا بلد عليه، وقد قيل يبدل لأنه صام على الشك حتى يقعد النية على يقين لفرض الصوم من الشهر، ومن رأى هلال شوال بالنهار يوم ثلاثين، فليس له أن يأكل حتى يجيء الليل، فإن أكل فعليه بدل ما مضى من صومه، وقالوا يبدل يومه، وإن اعتمد على الأكل من يوم ثلاثين من شهر رمضان، وصح الخبر أن ذلك اليوم كان يوم الفطر لزمته الكفارة، وقد قيل إنه لا كفارة عليه أراد شيئا عفي عنه، ومن رأى هلال شوال فله أن يفطر وليس له أن يظهر ذلك فيقتدي به غيره، إلا أن يصح الهلال بغيره، وإن أطهر كان مخطئا، ولم آمن عليه الضمان إن أكل أحد بقوله، ويستحب الأكل يوم القصر قبل البروز إلى المصلى، ولو شيئا يسيرا أو يشرب ماء، ويصلي قبل صلاة الفطر وبعدما ما شاء من ذلك.
الباب الواحد والخمسون
في زكاة لفطرة
ويستحب إخراج الفطرة غداة الفطر قبل الخروج إلى المصلى، ومن رأى من الفقراء محتاجا فقدمها إليهم فجائز، ويخرجها الغني ويأخذها الفقير، وهي صاع من طعام، أو صاع من حب، أو صاع من تمر، أو ما كان مثله قياسا عليه مثل الزبيب واللبن، ويخرج كل مما يأكل ويخرج المرء عن نفسه وعن زوجته وعمن يمون* من أولاده وعبيده، وإنما تجب على من أيسر بها وقدر عليها بلا دين يتحمله فيها، ولا يضار فيها بعيال فيما يستقبل، وقيل في يومه والله أعلم، والفطرة واجب إخراجها على الغني ولا عذر له في تركها.
Shafi 93