سُلِّطَتِ الأَلحاظُ منه على ... قلبي، فلو أَوْدتْ به ما اشْتَفَتْ
واسْتعذَبَتْ روحي هواه فما ... تَصحو، ولا تسلو ولو أُتْلِفَتْ
آخر:
وَيلي على قمرٍ أَوفى على غُصُنٍ ... يَهتزُّ في أَهْيَفٍ قد رانهُ الترفُ
يكادُ من قَضَفٍ لينًا ومن ترفٍ ... لولا أُعَوِّذُه بالله يَنْقَصِفُ
أبو فراس:
غلامٌ فوقَ ما أَصِفُ ... كأنَّ قوامَه أَلِفُ
إِذا ما مالَ يَرْعِبُني ... أَخافُ عليه يَنْقَصِفُ
وأُشفِقُ من تَأَوُّدِهِ ... أَخافُ يُذِيبه التَرَفُ
سُروري عندهُ لُمَعٌ ... ودَهري كُلُّه أَسفُ
وأَمْري كلُّهُ أَمَمٌ ... وحُبي وحدَه سَرَفُ
الحسين بن الضحاك:
مُحبُّكَ يبكي لطول السَّقَم ... تَداوَلُه فيكَ أَيدي الأَلمْ
تَجَنَّبْتَهُ فهو بادي الشحو ... بِ وأَدمعُهُ للضَنى تَنْسجِمْ
أيا عصْنَ بانٍ غداةَ النعيم ويا قمرًا لاحَ جُنْحَ الظُلَمْ
خَفِ اللهَ في عاشِقٍ مُدْنَفٍ ... بِحُبكَ مما بهِ يَعْتَصِمْ
الواسطي:
أَبلى فُؤادي بِطول تَعذيبهْ ... وقَدِّهِ واعْتِدالِ تَركِيبهْ
ولاحَ من جَيْبِهِ الهِلالُ لنا ... والغُصُنُ النَّضْرُ من جَلابِيبِهْ
كَلْفَ لي كاذِبًا لِيقَتُلَني ... وَيْلايَ مِنهِ ومِن أَكاذيبِهْ
لو أَبصَرَ القَسُّ حُسنَ صورَتِه ... صَوَّرهُ القَسُّ في مَحاربيِهْ
الخبزرزي:
أَهيفُ يَحكي بقدِّه الأَلِفا ... يَخسَرُ من لم يكُنْ بهِ كَلِفا
أحسنُ مِنَ بهجةِ الخِلافة والأمْنِ لِمنْ قد يُحاذِرُ التَلَفا
لو أَبصرَ الوجهَ منه مُنَهزِمٌ ... يَطلبُه ألفُ فارِسٍ وَقفا
وقد خطأ أبو القاسم الآمدي، في كتاب الموازنة بين الطائيين، أبا تمام في قوله:
مِن الهِيفِ لو أَنَّ الخلاخيلَ صُيِّرتْ ... لها وُشُحًا جالتْ عليها الخَلاخِلُ
وكذلك رد عليه قوله:
دعا قلْبُهُ: يا ناصِرَ الشوقِ دعوةَ ... فلبَّاهُ طَلُّ الدمعِ يَجري ووابِلُه
والصواب في البيتين في يد أبي تمام. وأبو تمام قلما يؤتى من المعاني، وإنما يتعمق فيحيل. والقلب إذا أكره عمي. والخاطر إذا اعتسف تبلد. وأحسن الكلام ما أخذ عفوه، وقبل ميسوره. واللفظ صورة والمعنى روح لها، وبها يكتحل البصر أولًا، فإذا راقت وحسنت اغتفر ما دونها من خلل.
وقد أخذ على أبي تمام أبو الضياء مؤلف سرقات الآخر من الأول قوله في الحسن بن وهب:
نَبَتُّ على مواهِبَ منكَ بيضٍ ... كما نَبتَ الحَلِيُّ على الوَلِيِّ
وفسر أبو القاسم الآمدي قول ذي الرمة وغلط فيه:
وليلٍ كَجِلبابِ العروس ادَّرَعْتُهُ ... بأَربعةٍ، والشخصُ في العَيْنِ واحدُ
وله في تفسير شعر الطائي، في كتاب الموازنة، هفوات كثيرة.
الباب الثالث والعشرون
وصف مشي النساء
قال الأعشى، وهو من نادر تشبيهات العرب:
غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصْقولٌ عوارِضُها ... تَمشي الهُوَيْنا كما يمشي الوَجي الوَحِلُ
كأنَّ مِشْيَتها من بيتِ جارَتِها ... مَرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
وقد شبهوا مرور السحاب بمشي النساء أيضًا؛ ويكون هذا من قبيل التشبيهات التي تجيء طردًا وعكسًا.
قال الشاعر في الليل:
كأنَّ قرونَ الخُرَّدِ العينِ أُسْبِلَتْ ... على وَجْههِ أَوْ ظُلمةَ الهَجْرِ والصَدِّ
وعكسه مسلم بن الوليد فقال:
أَجِدَّكِ ما يُدْرِيكِ أنْ رُبَّ لَيْلةٍ ... كأنَّ دُجاها من قُرونِكِ تُنشَرُ
وقال ابن الرومي:
أَرقُ من الماءِ الذي في حُسامهِ ... وأَنفذُ من حدَّيْهِ حين يُجرَّدُ
وقال المتنبي:
كَفِرَنْدي فِرَنْدُ سَيْفي الجُرَازِ ... لذَّةُ العينِ عُدَّةٌ للبِرازِ
امرؤ القيس:
وإذْ هي تمشي كمشْيِ النَّزِيفِ يصرَعُهُ بالكَثِيبِ البُهُرْ
فَتُورُ القِيامِ قَطيعُ الكَلا ... مِ تفْتَرُّ عن ذي غُرُوبٍ خَصِرْ
قيس:
مريضاتُ أَوْبات التهادي كأَنما ... تخافُ على أَحشائها أن تَقَطَّعا
تَسِيبُ انْسيابَ الأَيْمِ أَخصَرَهُ النَّدى ... فَرَفَّعَ من أَعطافِه ما تَرَفَّعا
1 / 35