واختار بعضهم بل الاكثر القول الثاني : محتجين بان الشارع صار حقيقة عرفية في النبي ، والمراد منه حينئذ مبين الشرع ، وقد يستند في مجيئه بذلك المعنى الى كلام اللغويين حيث قالوا : بكون شرع بمعنى سن وأوضح وبين واظهر.
ويظهر من الفاضل المقداد اختيار هذا ، حيث يقول في بحث النبوة من شرح باب الحادي عشر : إعلم ان النبوة مع حسنها خلافا للبراهمة ، واجبة في الحكمة خلافا للاشاعرة ، والدليل على ذلك : هو أنه لما كان المقصود من ايجاد الخلق هو المصلحة العائدة اليهم ، كان اسعافهم بما فيه مصالحهم وردعهم عما فيه مفاسدهم واجبا في الحكمة ، وذلك أما في احوال معادهم او احوال معاشهم.
اما في احوال معاشهم ، فهو انه لما كانت الضرورة داعية في حفظ النوع الانسان الى الاجتماع ، الذي يحصل معه مقاومة كل واحد لصاحبه فيما يحتاج اليه ، استلزم ذلك الاجتماع تجاذبا وتنازعا يحصلان من محبة كل واحد لنفسه ، وارادة المنفعة لها دون غيرها ، بحيث يفضي ذلك الى فساد النوع واضمحلاله ، فاقتضت الحكمة وجود عدل يفرض شرعا يجري بين النوع ، بحيث ينقاد كل واحد إلى امره ، وينتهى عند زجره ، ثم لو فوض ذلك الشرع اليهم لحصل ما كان اولا ، إذ لكل واحد راي يقتضيه عقله ، وميل بوجبه طبعه ، فلا بد حينئذ من شارع متميز بآيات ودلالات تدل على صدقه ، كي يشرع ذلك الشرع مبلغا له عن ربه. يعد فيه المطيع ويتوعد العاصي ، فيكون ذلك ادعى الى انقيادهم لامره ونهيه.
Shafi 46