Mucawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Nau'ikan
وكان الفاروق قد ولى معاوية ولاية من الشام، فضم إليه عثمان سائر الشام وألحق به أقاليمها من الجزيرة إلى شواطئ بحر الروم، فلما قتل عثمان كان قد مضى لمعاوية في ولاية الشام عشرون سنة، لم يبق فيها من ينازعه أو يعصيه، ولم يكن من عمالها وحكامها المرءوسين له أحد من غير صنائعه وأشياعه والمستقرين في كنفه؛ لأنه حرص في ولايته على استبقاء من يواليه، وإقصاء من يشغب عليه، وجعل همه الأكبر أن يخرج أهل الفتنة من الشام، ولا يبالي بعد ذلك ما صنعوا في سائر الولايات، فتفرقوا كلهم بين الكوفة ومصر والحجاز.
كان عثمان يسمع الأقاويل عن ولاية الشام، ويتلقى الشكايات ممن يطلبون منه عزل ولاته وأولهم معاوية، فيعتذر لهؤلاء الشاكين بعذره المعهود، ويقول لهم: إنه إنما ولى على الشام من ارتضاه قبله عمر بن الخطاب ... وقال ذلك مرة لعلي بن أبي طالب، فقال له علي: «نعم، ولكن معاوية كان أطوع لعمر من غلامه يرفأ.» وصدق الإمام فيما قال.
فقد كان معاوية يصطنع الأبهة في إمارته، ويقتصد فيها جهده بعيدا عن أعين الفاروق، فإذا لامه الفاروق على شيء منها رآه بعينه اعتذر له بمقامه بين أعداء ألفوا الأبهة، واتخذوها آية من آيات القوة والمنعة، وكان يؤدي حساب ولايته لعمر كلما سأله الحساب، ويقنع منها برزقه من بيت المال ألف دينار في العام، وأنفال
1
مما يجمعه من تجارة أهله أو مما وراء الحساب.
فلما بويع عثمان بالخلافة تركه في مكانه، وضم إليه سائر الشام كما تقدم، وطلب منه معاوية أن يرخص له في زرع الأرض التي تركها أصحابها وهاجروا إلى بلاد الروم فأجابه إلى طلبه، ووضع معاوية يديه على موارد من المال تقوم بأعباء دولة، ولم يكن يخشى عليها من الحساب ما كان يخشاه على عهد عمر بن الخطاب، وأوشكت الشام أن تقوم وحدها مملكة مستقلة يتولاها ملك مستقل، فيما عدا الأوامر التي كانت تأتيه من المدينة بتحصين الثغور، وإمداد الغزاة، وتسيير الجيوش إلى الأطراف بقيادة الأعلام من الصحابة.
وقتل عثمان فانقسمت الرقعة الإسلامية قسمين: أحدهما لا خلاف فيه وهو الشام «حصة معاوية»، والآخر لا وفاق فيه وهو حصة علي من الحجاز والعراق، وقد تدخل مصر فيها حينا، وتخرج منها أكثر الأحايين.
وتولى معاوية بلادا لا ينازعه فيها منازع، ولا يود أحد فيها أن تخرج من يديه وتئول إلى غيره.
وتولى علي بلادا كلها نزاع من أمر الخلافة إلى أصغر الأمور، فنازعه الخلافة طلحة والزبير، وأحاط به رهط من المتزمتين المتفقهين يسألونه عن الكبيرة والصغيرة، ويجتهدون اجتهادهم في كل شأن من شئون السياسة.
وهذا إلى الفارق بين وفرة المال من جانب وندرته من الجانب الآخر.
Shafi da ba'a sani ba