Mucawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Nau'ikan
ولما مات هاشم شغل أبناؤه بالرئاسة الدينية إلى جوار الكعبة، وآل اللواء إلى بني أمية، وهو عمل ينوط بصاحبه حراسة القوافل من الشام وإليها؛ إذ لم يكن من حاجة قريش في الجيل السابق للإسلام عقد اللواء لجيش يغزو القبائل أو يدفع غزوتها لمكة، وإنما كان العمل الأكبر لصاحب اللواء حراسة طريق التجارة بين مكة والشام على الأكثر، وبين مكة واليمن في قليل من الأوقات، وكان عملا يحتاج في الواقع إلى جيش صغير وقائد يحمل لواءه؛ لأن القافلة التي تخرج للتجارة تجمع أموال قريش، وتسير بها المئات من الإبل، ولا ينتظم سيرها بغير قيادة تتولى تنظيم المخافر وتوزيع المؤنة والتعرف إلى رؤساء القبائل التي تقيم على الطريق، أو تقيم على مقربة من أسواق الشام في البادية، فهي عمل متصل لا ينتهي بانتهاء رحلة القافلة، ولا تزال له روابطه وعلاقاته بين صاحب اللواء وأعوانه، وبين ذوي الشأن في مراحل الطريق وفي منازل المقام.
ومن المشهور المتواتر أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان معروف المكانة بين رؤساء الدولة البيزنطية على حدود بلاد العرب، كما كان معروف المكانة بين الوجوه من قبائل البادية، وخلعت عليه الدولة البيزنطية لقبا من ألقاب الرئاسة؛ ليسفر بينها وبين قومه ويعينها في خلافها مع العرب الغساسنة بالشام، وكانوا يجنحون أحيانا إلى جانب فارس في حربها لبيزنطة، ويرى البيزنطيون أنهم لا يستغنون عن قوة من العرب لمقاومة هذا الخطر من البادية، ولو بتهديد الغساسنة، وتشكيكهم فيمن يجاورهم أو يعاملهم من العرب الحجازيين.
وقد كان بنو أمية على شبه محالفة بينهم وبين بني كلب أقوى القبائل ببادية الشام، وأشدها خطرا على الغساسنة، ومنها من تنصر منافسة للغساسنة في حظوة الدولة مع ارتقابهم للفرص بين الدولتين وبين القبائل العربية، وقد عرفنا بعد الإسلام ثلاثة من كبار الأمويين أصهروا إلى بني كلب في عصر واحد، وهم: سعيد بن العاص والي الكوفة، والخليفة عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان. ولا تكون هذه المصاهرات أول العهد بالصلة بين الفريقين، فهي بقية لما تقدمها من الصلات.
ومن المشهور أيضا أن أبا سفيان كان على صلة بولاة الأمر من البيزنطيين، وكان يلقى هرقل وأمراء بيته في رحلاته، ويعول عليه هؤلاء فيما يعنيهم من أحوال العرب وأخبارهم، فقيل : إنهم سألوه عن النبي - عليه السلام - عند مبعثه، وإن السائل جعل يستنبئه عن صفاته - عليه السلام - على مسمع من قوم حجازيين في المجلس، ويحذره أن يكذب فيكذبه من سمع كلامه من قومه، قال أبو سفيان: وعلمت أنهم لا يكذبونني إن كذبت، ولكنني صدقت الصفة ضنا بمروءتي أن أقول ما يعلم السامعون أنه نبأ مكذوب ...
قال المقريزي: «إنه ما فتحت بالشام كورة إلا وجد فيها رجل من بني سعيد بن العاص ميتا ...»
وكان النبي - صلوات الله عليه - يتحرى في اختيار الولاة أن يندبهم للولاية حيث يتيسر لهم العمل بموافقة الرعية، فاختار عمرو بن سعيد بن العاص واليا لتيماء وخيبر وتبوك وفدك، وكلها على طريق التجارة الأموية، وسار أبو بكر على هذه السنة، فاختار يزيد بن أبي سفيان قائدا لجيش من جيوش الحملة على الشام، وولاه بعض أقاليمها بقية حياته، وكانت وفاته في عهد الفاروق، فجرى على هذه السنة وعهد بالولاية إلى أخيه معاوية حيث بقي إلى ما بعد خلافة الفاروق، وكان يعمل برئاسة أخيه قبل موته ويحمل اللواء بين يديه.
ومن بني أمية من كاد يصرح بالطمع في الملك بعد رسول الله على عهد الصديق؛ إذ كان من أبناء عمرو بن سعيد بن العاص خلف على الولاية التي ولاها إياه النبي - صلوات الله عليه، فلما بويع أبو بكر بالخلافة أنفوا أن يعملوا له، وقالوا: «نحن أبناء بني أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أبدا ...»
ولا يقول هذا القول إلا من يطلب الرئاسة لنفسه، ولا يقر بالرئاسة لغير ذي نبوة أو رسالة إلهية، وينظر إلى الخلافة نظرة دنيوية لا تفاضل فيها بصفة من صفات الدين، وسابقة من سوابق الهداية.
Shafi da ba'a sani ba