============================================================
544 منهاج القاصدين وففيد الصادقين فإن التبذير لا يحمد فيه وهو بذل، وكالشجاعة، فإن التهور لا يحمذ فيها، وإن كان من جنس الشجاعة، وكذلك العلم.
فالقسم المذموم قليله وكثيره: ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا، أو فيه ضرد يغلب(1) نفعه، كعلم السحر والطلمسات والنجوم، فصرف العمر - الذي هو أنفس ما يملكه الإنسان - إليه إضاعة، وإضاعة النفائس مذموم: وأما القسم المحمود إلى أقصى غايات(2) الاستقصاء: فهو العلم بالله تعالى بصفاته وأفعاله، وحكمته في ترتيب الآخرة على الدنيا، فإن هذا علم مطلوب لذاته، وللتوضل به إلى سعادة الآخرة، وهو البحر الذي لا يذرك غوره(3)، وإنما يحوم المحؤمون على سواحله وأطرافه بقذر ما يسر لهم، وما خاض أطرافه إلا الأنبياء، والأولياء، والراسخون في العلم على اختلاف درجاتهم، بحسب اختلاف قوتهم، ويعين على نيل بعضه المجاهدة والرياضة، وتصفية القلب، وتفريغه من علائق الدنيا.
وأما العلوم التي لا يحمذ منها إلا مقدار مخصوص: فهي العلوم التي أوردناها في فروض الكفايات، فإن في كل علم منها اقتصارا، وهو الأقل، واقتصادا، وهو الوسط، واستقصاء وراء الاقتصاد، لا مرد له إلى آخر العمر.
فكن أحد رجلين: إما مشغولا بنفسك، وإما متفرغا إلى غيرك بعد الفراغ من نفسك، وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك، فإن كنت مشغولا بنفسك، فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عينك، بحسب ما يقتضيه حالك، وانظر في المهم المهمل، وهو صفات القلب وما يحمد منها ويذم، كالحرص والحسد والرياء والعجب ونحو ذلك، فكلها مهلكات، والاشتغال (1) بعدها في (ظ): "على".
(2) في الأصل: "غاية" .
(3) الغؤر: القعر من الشيء وعمقه ويعده. "اللسان": (غور).
Shafi 44