============================================================
د ربع العبادات ( الباب الثالث: فيما يعده العامة من العلوم بالأعمال الظاهرة عن إصلاح هذه الأحوال، كطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب والدماميل(1)، مع التهاون بإخراج المادة بالفصد(2) والإسهال.
وعلماء الآخرة إنما يشيرون إلى تطهير الباطن، وقظع مواد الشر بقلع مغارسه التي في القلب، وإنما فزع الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة، وأعرضوا عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح، وصعوبة أعمال القلوب، كما يختار طلي البدن من يستصعب شرب الدواء المر.
فإن كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة، فانظر إلى العلل الباطنة، وعالجها بما سيأتي في ربع المهلكات، فحينئذ تتأهل للمقامات المحمودة، وإن لم تتقرغ لذلك، فلا تشتغل بفروض الكفايات، ففي الخلق خلق كثير يقومون بذلك، فإن مهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه، ومثله كمثل من دخلت العقارب تحت ثيابه، وهو يذب الذباب عن غيره، وإن تفرغت من نفسك وتطهيرها، وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه- وما أبعد ذلك - فاشتغل بفروض الكفايات، وراع التدريج في ذلك، فابتدئ بكتاب الله عز وجل، ثم بسنة رسوله ، ثم بعلوم القرآن من تفسير، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، إلى غير ذلك، وكذلك في السنة، ثم اشتغل بالفروع، واصول الفقه، وهكذا إلى بقية العلوم(3)، على ما يتسع له العمر، ويساعد فيه الوقت، ولا تستغرق غمرك في فن واحد منه طالبا للاستقصاء، فإن العلم كثير، والعمر قصير، وهذه العلوم آلات، يراد بها غيرها، وكل شيء يطلب(4) لغيره، فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب، وقد بينا: أنه ما من علم إلا وله اقتصار واقتصاد واستقصاء، ونحن نشير إلى ذلك: (1) الدماميل: جمع ذمل ودمل، وهي: القروح. "اللسان": (دمل).
(2) الفصد: هو إخراج الدم عن طريق شق العرق للتداوي. اللسان": (فصد).
(3) في (ظ): "العلم".
(4) تحرفت في (ظ) إلى: "مطلب".
Shafi 45