ومثال الثاني: قول القائل: إذا اشتد حر الصيف اشتد برد الشتاء الذي يليه، وإذا اشتد برد الشتاء اشتد حر الصيف الذي يليه ثم يقول بعد ذلك: وقد يعبران جميعا، فإنه قد نقض الجملة لأنها لو صحت لاشتد الحر والبرد أبدا، فلا يوجد فتور.
ومثال الثالث سؤالنا للتنويه عن شيخ رأيناه قاعدا على هيئة حصان في مكان مخصوص أتقولون أنه لم يزل كذلك.
فإن قالوا إلا بل قد كان على غير هذه الحالة أقروا بالحدوث وإن قالوا: نعم جحدوا الاضطرار.
قال الشيخ أبو القاسم: وهذا الكلام كان من حقه أن يكتب بماء الذهب لعظم نفعه لولا أن كلام الله تعالى خير منه، وقد كتب بالمداد.
قال: وأكثر ما يدور بين الخصوم إجراء العلة في المعلول وبه يستدل على إبطال كثير من مذاهب خصومنا.
مثاله بأن يقول لأهل الجبر في جميع مسائلهم قد أجزتم على الله تعالى كل قبيح من ظلم وعبث وهذيان وتكليف ما لا يطاق، وإرادة كل قبيح ونحو ذلك، وزعمتم أنه مع ذلك /42/ عدل حكيم لا يقبح منه قبيح، وعللتم ذلك بأن الأمر أمره، وأنه لا يسأل عما يفعل، وأنه ليس يلحقه نقص بصفات الأفعال قط إذا كانت صفات الذات صفات كمال، فهل تجرون علتكم هذه فتزعمون أنه يصح أن يقول في ما لم يكن أنه قد كان وفي ما كان أنه لم يكن، وأنه يجوز أن يكلف الجماد، ويكلف ما لم يعلم، ونحو ذلك، أم لا يجرونها، فإن قالوا: نعم يجوز ذلك كله ظهر عنادهم وأبطلوا الرسل والوعد والوعيد والجنة والنار.
وإن قالوا: لا يجوز لعلة كذا، قيل لهم: قد نقضتم علتكم من أن الأمر أمره وأنه لا يسأل عما يفعل فاطلبوا لصحة دعواكم علة غيرها.
فصل
كثير ما يجري في كتب المتكلمين ذكر ما لا طريق إليه، فمرة يقولون لا يجوز إثباته ومرة يقولون يجب نفيه، والأصل في ذلك أنهما طرفان:
أحدهما أن يقال لا يجوز إثبات ما لا طريق إليه. والثاني: أن يقال يجب نفيه.
Shafi 64