مثاله: إذا علمنا أن أفعالنا محتاجة إلينا، ، فإنا نتوصل بذلك إلى أن للعالم صانعا، وإنما يمكن هذا التوصل إذا علمنا حصول تلك العلة في أفعال القديم تعالى وعلى مثل هذا يقع الكلام في كونه تعالى /34/ قادرا وعالما وغير ذلك ما لا بد فيه من أحد الطرق الرابطة بين الشاهد والغائب، وهذا القياس الذي يسميه المخالفون قياس التمثيل وقياس الغايب على الشاهد، ويجعلونه ظينا وسموه قياس التمثيل؛ لأنه بزعمهم تمثيل للغائب بالشاهد أن هؤلاء الفلاسفة وأهل الإلحاد قد وضعوا قواعد عظمت بها جنايتهم على المسلم وحرفوا بها كثيرا عن قواعد دينهم وأدرجوها في علم المنطق واتبعهم فيها أهل الجبر بأسرهم، وكانت هي السبب في القول بالجبر، وكثير من مسائل الخلاف.
ونحن نذكر من ذلك قاعدتين عليهما يدور مكرهم: إحداهما، أبطلوا أنها مسائل التوحيد. والأخرى أبطلوا أنها مسائل العدل.
أما القاعدة الأولى فهي أنهم قسموا الأقيسية إلى نفسي وظني ومعالطي وشجري، ولا حاجة إلى ذكر المعالطي والشجري إذ لا فائدة فيهما.
وأما الظني فهو عندهم ضربان:
أحدهما: قياس التمثيل الذي نسميه قياس الغائب على الشاهد.
والثاني: القياس الذي مقدماته سمعية من كتاب أو سنة، فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع جل وعز وصفاته ظني لا يمكن العلم به وإلى أن الكلام في أصول الشرعية ظني، وقد علمت أن جميع مسائل التوحيد مبنية على قياس الغائب على الشاهد، فانظر إلى هذه الخديعة التي اتبعهم فيها كثير من علماء الإسلام، وأقروا أنه لا يمكن العلم بالله وصفاته حتى ذكر الرازي في محصوله مستدلا على تكليف ما لا يطاق أن الله تعالى أمرنا أن نعلمه في قوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} والعلم به غير مقدور لنا، مع أن المعارف عنده ليست ضرورية.
وأما التقينية عندهم فهي الأقيسية التي مقدماتها معلومة ضرورة بشرط أن يورد على أحد الأشكال الأربعة التي يذكرونها في علم المنطق.
Shafi 54