وإذا ثبت أن النظر في الأدلة إنما يتعلق بصفات وأحكام يتوصل بها في الغالب إلى صفات وأحكام ومعلوم أنها لا تثبت فيها مغايرة حقيقية، فقد ظهر أن لا فرق بين الدليل وطريقه النظر. وليس له أن يقول أن النظر في طريقه النظر يتوجه إلى مجرد النظر، فإذا نظر في كونه تعالى قادرا عالما ليتوصل بذلك إل كونه حيا، فهو ينظر في مجردها بين الصفتين؛ لأن ذات الباري معلومة؛ لأنا نقول إذا صح تعلق النظر بالصفة على انفرادها في طريقة النظر فكذلك في الأدلة من غير فرق، فيكون أحدنا قد نظر في مجرد الكائنية ومجرد الحدوث؛ لأن ذات الجسم معلومة.
فصل
والأدلة خمسة: العقل، والكتاب، والسنة المتواترة، والإجماع والقياس القطعيان.
وزعم أهل الجبر والفلاسفة أنه لا يوصل إلى العلم اليقين إلا حجة العقل الواردة على أحد أشكال أربعة يذكرونها في علم المنطق، فأما السمعيات فهي إنما يوصل عندهم إلى الظن، وكذلك قياس التمثيل الذي نسميه نحن الاستدلال بالشاهد على الغائب، فنحن نذكر منشأ زللهم في ذلك، ونكشف عن وجه خديعتهم ونرد عليهم بحسب ما يحتمله هذا الكتاب.
فصول في الاستدلال بالعقل
اعلم أن أكثر مسائل أصول الدين لا مجال للسمع فيها إلا مؤكدا، وإنما يعرف بالعقل ويعني بكون العقل دليلا أنا نعلم به شيئا بين مفردات متصورة بثبوت أو نفي أو حسن أو قبح أو وجوب فتصير هذه النسب المعلومة مقدمات يتوصل بها إلى ثبوت نسب أخرى مجهولة، ولكنا لا نثبت النسبة لذات لأجل ثبوتها لذات أخرى إلا بجامع الأمر الذي له ثبتت النسبة في الذات الأولى.
Shafi 53